[center]يعد المرفق العام المظهر الإيجابي لنشاط الإدارة وتتولاه الإدارة بنفسها أوبالاشتراك مع الأفراد , وتسعى من خلاله إلى إشباع الحاجات العامة . وتعد فكرةالمرافق العامة من أهم موضوعات القانون الإداري وترد إليها معظم النظريات والمبادئالتي ابتدعها القضاء الإداري كالعقود الإدارية والأموال العامة والوظيفة العامة.
ونبين في هذا الجزء من الدراسة مفهوم المرفق العام والمبادئ التي تحكم المرافقالعامة وأخيراً طرق إدارة المرافق العامة وذلك في ثلاثة مباحث على النحو التالي :
المبحث الأول : مـاهيــة المــرفــق العام .
المبحث الثاني : المبادئ التيتحكم المرافق العامة .
المبحث الثالث : طـرق إدارة المـرافـق العامة .
الفصل الأول
ماهية المرفق العام
البحث في ماهية المرفق العاميستدعي منا أن نبين تعريفه وعناصره ، ثم نستعرض أنواع المرافق العامة ونوضح أخيراًإنشاء وإلغاء هذه المرافق.
المطلب الأول : تعريف وعناصر المرفق العام
ليس من السهل تعريف المرفق العام، ولعل صعوبة تعريفه تعود إلى أن عبارة المرفقالعام مبهمة ولها معنى عضوي و أخر موضوعي . ( )
المعنى العضوي ويفيد المنظمةالتي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة، ويتعلق هذا التعريف بالإدارة أوالجهاز الإداري. أما المعنى الموضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباعحاجات عامة والذي يخضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة.
وعلى ذلك يمكن القول بأنالمرفق العام هو في حالة السكون المنظمة التي تقوم بنشاط معين ، أما في حالة الحركةفهو النشاط الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة بغض النظر عن الجهة التي تؤديه.
وقدتراوح التعريف بين هذين المعنيين فقد أكد بعض الفقهاء على العنصر العضوي للمرفقالعام، بينما تناوله البعض الأخر من الناحية الوظيفية أو الموضوعية , وبعد أن كانالقضاء الإداري في فرنسا ومصر يتبنى المعنى العضوي، تطورت أحكامه للجميع بينالمعنيين، ثم استقر فيما بعد على المعنى الموضوعي فعرف المرفق العام بأنه النشاطالذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى، مباشرة أو تعهد به لأخرين كالأفرادأو الأشخاص المعنوية الخاصة، ولكن تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لإشباعحاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .( )
وفي ذلك يعرف الأستاذ "رفيرو" المرفق العام بمعناه الوظيفي بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام .( )
ويعرفه الدكتور طعيمة الجرف بأنه " نشاط تتولاه الإدارة بنفسها أو يتولاه فردعادي تحت توجيهها ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة للجمهور" . ( )
وفيالحقيقة يمكن الجمع بين المعنى العضوي والوظيفي للوصول إلى تعريف سليم للمرفق العاملوجود التقاء بين المعنيين ، عندما تسعى الهيئات العامة التابعة لشخص من أشخاصالقانون العام إلى تحقيق النفع العام وإشباع حاجات الأفراد، وهذا يحصل دائماً فيالمرافق العامة الإدارية.
غير أن تطور الحياة الإدارية، والتغيرات الكبيرة التيطرأت في القواعد التي تقوم عليها فكرة المرافق العامة أدى إلى ظهور المرافق العامةالاقتصادية أو التجارية التي يمكن أن تدار بواسطة الأفراد أو المشروعات الخاصة مماقاد إلى انفصال العنصر العضوي عن الموضوعي وأصبح من حق الإدارة أن تنظم نشاط معينفي صورة مرفق عام وتعهد به إلى الأفراد فيتوافر فيه العنصر الموضوعي دون العضوي.
وقد اعترف مجلس الدولة في فرنسا للمرافق الاقتصادية والتجارية بصفة المرفقالعام، بل أطلق هذه الصفة على بعض المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تخضعلترخيص أداري مقيد ببعض الشروط، وفق ما يعرف بفكرة المرافق العامة الفعلية .( )
وفي الاتجاه ذاته اعترف القضاء الإداري في مصر للمرافق الاقتصادية بصفة المرافقالعامة وأخضعها لنظام القانون العام . ( )
عناصر المرفق العام
من التعريفالسابق يتضح أن هناك ثلاثة عناصر يجب توافرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العامويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباطالمشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة .
أولاً : عنصر الهدف .
لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعةالعامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكونمادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين.
وعلى ذلك يعد تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام عن غيرهفي المشروعات التي تستهدف تحقيق النفع الخاص أو تجمع بين هذا الهدف وهدف إشباع حاجةعامة أو نفع عام.
ومع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتماًفقدها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفعالعام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنينكما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما بعدوسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين .( )
ومع ذلك فان هدف المنفعةالعامة الذي اعترف القضاء الإداري به عنصراً من عناصر المرفق العام لا يمكن تحديدهبدقة ، فهو الهدف قابل للتطور ويتوقف على تقدير القاضي إلى حد كبير .
وفي هذاالسبيل ذهب جانب من الفقه إلى أن الذي يميز المرفق العام، أن المشروعات التيتنشئوها الدولة تعتبر مرافق عامة لأنها تستهدف تحقيق وجهاً من وجوه النفع العامالذي عجز الأفراد وأشخاص النشاط الخاص عن القيام بها، أولا يستطيعون القيام بها علىأكمل وجه .( )
إلا أن المتتبع لأحكام القضاء الإداري الفرنسي يجد أنه اعتبرالكثير من النشاطات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، رغم إن نشاطها من السهل أنيتولاه الأفراد، ومن ذلك حكم Terrier 1903 المتعلق بقتل الثعابين ، وحكم Therond 1910 الخاص برفع جثث الحيوانات .( )
ثانياً : عنصر الإدارة
تقوم الدولةبإنشاء المرافق العامة ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارةوموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحةالعامة لحساب المصالح الخاصة( ).
وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنويةالعامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه منحيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد، ونفس الأمر إذا أصبحتالإدارة بيد هيئة خاصة بمقتضيات المصلحة العامة تقتضي النص على إخضاع هذه الهيئةالخاصة كاملة فلا نكون أمام مرفق عام.
مع إن هناك جانب من الفقه تؤيده بعضأحكام مجلس الدولة الفرنسي يذهب إلى أن هناك ما يمكن تسميته بالمرافق العامةالفعلية , وتخضع لبعض أحكام المرافق العامة، لأن هذا الاتجاه يتعارض والمستقر فيمبادئ وأحكام القانون الإداري التي تقضي بضرورة وجود نص يخول الإدارة إنشاء المرافقالعامة.
ثالثاً : وجود امتيازات السلطة العامة :-
يلزم لقيام المرافقالعامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة فيالقانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
غير أن هذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء على اعتبار أن التطورات الاقتصاديةوتشعب أنشطة الإدارة أفرزت إلى جانب المرافق العامة الإدارية مرافق عامة صناعيةوتجارية تخضع في الجانب الأكبر من نشاطها إلى أحكام القانون الخاص كما أن خضوعالمرفق للقانون العام هو مجرد نتيجة لثبوت الصفة العامة للمرفق ، ومن غير المنطقيأن تعرف الفكرة بنتائجها .( )
غير أننا لا نتفق مع هذا الرأي من حيث أن المرافقالعامة الصناعية والتجارية وأن كنت تخضع في بعض جوانبها لأحكام القانون الخاص فأنهالا تدار بنفس الكيفية التي تدار بها المشروعات الخاصة كما أن إرادة المشرع فيإنشائها تضعها في إطار نظام قانوني غير مألوف وأن لم تتضمن امتيازات غير مألوفة فيالقانون الخاص.
ومن هنا نرى ضرورة خضوع المرافق العامة لنظام قانوني متميز عننظام القانون الخاص بسبب طبيعتها المتميزة واستهدافها المصلحة العامة ومن قبيل ذلكحقها في التنفيذ المباشر وحقها في استيفاء الرسوم، وهذا ما استقر عليه قضاء مجلسالدولة الفرنسي .( )
المطلب الثاني :أ نـواع المرافق العامة
لا تأخذالمرافق العامة صورة واحدة بل تتعدد أنواعها تباعاً للزاوية التي ينظر منها إليها ،فمن حيث طبيعة النشاط الذي تمارسه تنقسم إلى مرافق إدارية ومرافق اقتصادية، ومرافقمهنية، ومن حيث استقلالها تنقسم إلى مرافق ذات شخصية معنوية مستقلة ومرافق لا تتمتعبالشخصية المعنوية، ومن حيث نطاق نشاطها إلى مرافق قومية وأخرى محلية .
ومن حيثمدى الالتزام بإنشائها إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية.
أولاً : المرافقالعامة من حيث طبيعة نشاطها .
تنقسم المرافق العامة من حيث موضوع نشاطها أوطبيعة هذا النشاط ‘لى ثلاثة أنـواع :
1. المرافق العامة الإدارية :-
يقصدبالمرافق العامة الإدارية تلك المرافق التي تتناول نشاطاً لا يزاوله الأفراد عادةأما بسبب عجزهم عن ذلك أو لقلة أو انعدام مصلحتهم فيه، ومثالها مرافق الدفاع والأمنوالقضاء .( )
وتخضع المرافق الإدارية من حيث الأصل لأحكام القانون الإداري،فعمالها يعتبرون موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة، وتصرفاتها أعمالاً إدارية،وقراراتها تعد قرارات إدارية وعقودها عقوداً إدارية، وبمعنى أخر تتمتع المرافقالعامة الإدارية باستخدام امتيازات السلطة العامة لتحقيق أهدافها . إلا أنها قدتخضع في بعض الأحيان استثناء لأحكام القانون الخاص، وذلك عندما يجد القائمون علىإدارتها أن هذا الأسلوب يكفي لتحقيق أهداف المرفق وتحقيق المصلحة العامة .
2. المرافق الاقتصادية :-
بفعل الأزمات الاقتصادية وتطور وظيفة الدولة ظهر نوع أخرمن المرافق العامة يزاول نشاطاً تجارياً أو صناعياً مماثلاً لنشاط الأفراد و تعملفي ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الخاصة، وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذهالمرافق دعا الفقه والقضاء إلى ضرورة تحرير هذه المرافق من الخضوع لقواعد القانونالعام.
والأمثلة على هذه المرافق كثيرة ومنها مرفق النقل والمواصلات ومرفقتوليد المياه والغاز ومرفق البريد.
وقد اختلف الفقه حول معيار تمييز المرافقالعامة الاقتصادية عن المرافق العامة الإدارية وعلى النحو التالي:-
أ- المعيارالشكلي
يعتمد هذا المعيار على أساس شكل المشروع أو مظهره الخارجي فإذا اتخذالمشروع شكل المشروعات الخاصة كما لو تمت إدارته بواسطة شركة فأنه مرفق اقتصادي , وبعكس ذلك لو تمت إدارته بواسطة الإدارة أو تحت رقابتها وإشرافها وباستخدام أساليبالسلطة العامة فهو مرفق عام إداري.
ب- معيار الهدف .
اتجه هذا المعيارإلى التمييز بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية على أساس الغرض الذي يستهدفهالمرفق، فالمرافق الاقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو تجاري يهدف إلى تحقيق الربح مثلماهو الحال في المشروعات الخاصة.
في حين لا تسعى المرافق الإدارية إلى تحقيقالربح بل تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد .
غير أن هذا المعيار يتسمبالقصور من حيث أن الربح الذي تحققه المرافق الاقتصادية ليس الغرض الأساسي منإنشائها بل هو أثر من آثار الطبيعة الصناعية أو التجارية التي تمارسها فهي تستهدفأساساً تحقيق المنفعة العامة .( )
كما أن المرافق الإدارية يمكن أن تحقق ربحاًمن جراء ما تتقاضاه من رسوم تقوم بتحصيلها مقابل الخدمات التي تقدمها.
ج- معيارالقانون المطبق
ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين المرافق العامة الاقتصاديةوالمرافق العامة الإدارية على أساس النظام القانوني الذي يخضع له المرفق .
فإذاكان يخضع لأحكام القانون الخاص اعتبر المرفق اقتصادياً وعلى العكس من ذلك إذا كانيخضع لأحكام القانون العام فهو مرفق عام إداري .
غير أن هذا المعيار غير سليمولا يتفق مع المنطق لأن المطلوب هو تحديد نوع المرفق العام قبل إخضاعه لنظام قانونيمعين، وليس العكس أي أن خضوع المرفق الاقتصادي لقواعد القانون الخاص هو نتيجة لثبوتالصفة الاقتصادية للمرفق.
كما أن خضوع المرفق العام للقانون الخاص مجرد قرينةعلى أن هذا المرفق ذو صفة اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بثبوت هذه الصفةقطعاً .( )
د – معيار طبيعة النشاط :-
ذهب رأي أخر من الفقه وهو الرأيالراجح إلى أن المرفق يكون اقتصادياً إذا كان النشاط الذي يقوم به يعد نشاطاًتجارياً بطبيعته طبقاً لموضوعات القانون التجاري، ويعتبر المرفق مرفقاً عاماًإدارياً إذا كان النشاط الذي يمارسه نشاطاً إدارياً ومما يدخل في نطاق القانونالإداري.
وقد أخذ بهذا الرأي جانب كبير من الفقهاء، ومع أن القضاء الإداري فيفرنسا لم يعتمد معياراً واحداً منها وإنما أخذ بمعيار يقوم على فكرتين أو عنصرين :-
العنصر الأول : ويعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق الاقتصاديالذي يتماثل مع النشاط الخاص.
العنصر الثاني : يتعلق بالأساليب وطرق تنظيموتسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الصناعية .( )
أما بخصوصالقانون الذي تخضع له المرافق الاقتصادية فقد استقر القضاء الإداري على أن تخضعلقواعد القانون الخاص في نشاطها ووسائل إدارتها، مع خضوعها لبعض قواعد القانونالعام من قبيل انتظام سير المرافق العامة والمساواة بين المنتفعين بخدماتهاوقابليتها للتغيير بما يتلائم مع المستجدات وتمتعها ببعض امتيازات السلطة العامةاللازمة لحسن أدائها لنشاطها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت،وينعقد الاختصاص في هذا الجانب من نشاطها لاختصاص القضاء الإداري .
وبهذاالمعنى فهي تخضع لنظام قانوني مختلط يجمع بين أحكام القانون الخاص والقانون العاممعاً، إلا أن العمل قد جرى في القضاء الليبي على استثناء المرافق العامة الاقتصاديةالتي تدار من قبل الشركات والمنشآت العامة من تطبيق أحكام القانون الإداري فلميعتبر العاملين فيها موظفين عامين كما أن الأعمال الصادرة منها لا ترقى إلى مرتبةالقرارات الإدارية ويخضع نظامها المالي لحكام القانون الخاصة، وتعتبر العقود التيتبرمها عقوداً خاصة . ( )
3- المرافق المهنية :-
وهي المرافق التي تنشأبقصد توجيه النشاط المهني ورعاية المصالح الخاصة بمهنة معينة، وتتم إدارة هذهالمرافق بواسطة هيئات أعضائها ممن يمارسون هذه المهنة ويخولهم القانون بعض امتيازاتالسلطة العامة .مثل نقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها من النقاباتالمهنية الأخرى.
وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانيةلمواجهة المشاكل التي كان يتعرض لها أصحاب هذه المهن والدفاع عنهم وحماية مصالحهم،لا سيما في فرنسا التي ظهرت فيها لجان تنظيم الإنتاج الصناعي عام1940 .
وتخضعهذه المرافق لنظام قانوني مختلط فهي تخضع لنظام القانون العام واختصاص القضاءالإداري في بعض المنازعات المتعلقة بنشاطها غير أن الجانب الرئيس من نشاطها يخضعلأحكام القانون الخاص.
فالمنازعات المتعلقة بنظامها الداخلي وعلاقة أعضائهابعضهم ببعض وشؤونها المالية تخضع للقانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، أماالمنازعات المتصلة بمظاهر نشاطها كمرفق عام وممارستها لامتيازات السلطة العامةفتخضع لأحكام القانون العام واختصاص القضاء الإداري .( )
ومن ثم فإن المرافقالمهنية تتفق مع المرافق العامة الاقتصادية من حيث خضوعها لنظام قانوني مختلط، غيرأن نظام القانون العام يطبق بشكل أوسع في نطاق المرافق المهنية ويظهر ذلك فيامتيازات القانون العام التي يمارسها المرفق، في حين ينحصر تطبيقه في مجال تنظيمالمرفق في المرافق الاقتصادية .
ثانياً : المرافق من حيث استقلالها
تنقسمالمرافق العامة من حيث استقلالها إلى مرافق تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاعتباريةومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية.
1- المرافق العامة التي تتمتع بالشخصيةالمعنوية : وهي المرافق التي يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويكون لهاكيان مستقل كمؤسسة عامة مع خضوعها لقدر من الرقابة أو الوصاية الإدارية.
2- المرافق العامة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي لا يعترف لهاقرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويتم إلحاقها بأحد أشخاص القانون العام وتكون تابعةلها، كالدولة أو الوزارات أو المحافظات، وهي الغالبية العظمى من المرافق العامة .
وتبدو أهمية هذا التقسيم في مجال الاستقلال المالي والإداري وفي مجال المسؤولية، إذ تملك المرافق العامة المتمتعة بالشخصية المعنوية قدراً كبيراً من الاستقلالالإداري والمالي والفني في علاقتها بالسلطة المركزية مع وجود قدر من الرقابة كماأوضحنا ، غير أن هذه الرقابة لا يمكن مقارنتها بما تخضع له المرافق غير المتمتعةبالشخصية المعنوية من توجيه وإشراف مباشرين من السلطات المركزية ،أما من حيثالمسؤولية فيكون المرفق المتمتع بالشخصية المعنوية مستقلاً ومسؤولاً عن الأخطاءالتي يتسبب في إحداثها للغير في حين تقع هذه المسؤولية على الشخص الإداري الذييتبعه المرفق العام في حالة عدم تمتعه بالشخصية المعنوية.
ثالثاً: المرافقالعامة من حيث نطاق نشاطها
تنقسم المرافق العامة من حيث نطاق أو مجال عملها إلىمرافق قومية ومرافق محلية.
1- المرافق القومية
يقصد بالمرافق القوميةتلك المرافق التي يتسع نشاطها ليشمل كل أقليم الدولة. كمرفق الدفاع ومرفق القضاءومرفق الصحة، ونظراً لعمومية وأهمية النشاط الذي تقدمه هذه المرافق فأنها تخضعلإشراف الإدارة المركزية في الدولة من خلال الوزارات أو ممثليها أو فروعها فيالمدن، ضماناً لحسن أداء هذه المرافق لنشاطها وتحقيقاً للمساواة في توزيع خدماتها.
وتتحمل الدولة المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب فيها المرافق القوميةبحكم إدارتها لها والإشراف على شؤونها.
2- المرافق المحلية :-
ويقصد بهاالمرافق التي يتعلق نشاطها بتقديم خدمات لمنطقة محددة أو إقليم معين من أقاليمالدولة ،ويعهد بإدارتها إلى الوحدات المحلية، كمرفق النقل،أو مرفق توزيع المياه أوالكهرباء وغيرها من المرافق التي تشبع حاجات محلية.
وتتميز المرافق المحليةبالاختلاف والتنوع في أساليب إدارتها بحكم اختلاف وتنوع حاجات كل وحدة محلية أوإقليم تمارس نشاطها فيه كما أن المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب بإحداثهاالمرافق المحلية أو موظفيها ويتحملها الشخص المعنوي المحلي أو الإقليمي .( )
رابعاً : المرافق العامة من حيث مدى الالتزام بإنشائها
تنقسم المرافقالعامة من حيث حرية الإدارة في إنشائها إلى مرافق اختيارية وأخرى إجبارية :-
1- المرافق الاختيارية .
الأصل في المرافق العامة أن يتم إنشائها بشكل اختياري منجانب الدولة . وتملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار وقت ومكان إنشاء المرفقونوع الخدمة أو النشاط الذي يمارسه وطريقة إدارته.
ومن ثم لا يملك الأفرادإجبار الإدارة على إنشاء مرفق عام معين ولا يملكون الوسائل القانونية التي يمكنهمحملها على إنشاء هذا المرفق أو مقاضاتها لعدم إنشائها له. ويطلق الفقه على المرافقالعامة التي تنشئها الإدارة بسلطتها التقديرية اسم المرافق العامة لاختيارية( ).
2- المرافق العامة الإجبارية :
إذا كان الأصل أن يتم إنشاء المرافق العامةاختيارياً فأن الإدارة استثناء تكون ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة عندما يلزمهاالقانون أو جهة إدارية أعلى بإنشائها ومثال ذلك إنشاء الإدارة لمرفق الأمن والصحةفهي مرافق إجبارية بطبيعتها وتهدف لحماية الأمن والصحة العامة وغالباً ما تصدرالقوانين بإنشائها.
المطلب الثالث : إنشاء وإلغاء المرافق العامة
نعرضفي هذا المطلب المبادئ المتعلقة بإنشاء وإلغاء المرافق العامة .
أولاً : إنشاءالمرافق العامة :
عندما تجد السلطة المختصة أن حاجة الجمهور تقتضي إنشاء مرفقاًعاماً لإشباعها ويعجز الأفراد عن ذلك، فإنها تتدخل مستخدمة وسائل السلطة العامةوتنشئ المرفق العام.
وحيث إن إنشاء المرافق العامة يتضمن غالباً المساس بحقوقالأفراد وحرياتهم لاعتمادها أحياناً على نظام الاحتكار الذي يمنع الأفراد من مزاولةالنشاط الذي يؤديه المرفق وفي أحيان أخرى يقيدهم بممارسة نشاطات معينة بحكم تمتعالمرافق العامة بوسائل السلطة العامة وامتيازاتها التي تجعل الأفراد في وضع لا يسمحلهم بمنافسة نشاطات هذه المرافق ولأن إنشاء المرافق العامة يتطلب اعتمادات ماليةكبيرة في الميزانية لمواجهة نفقات إنشاء هذه المرافق وإدارتها.
[font: