أناشيد دمشقية ... في الغربة
-1-
كنتِ بالأمس
سيدة اللحظات،
والآن
أنت وحدك
أميرة الأمكنة
في الثلج الذي غمر كل شيء:
السهل والوادي
الجبل والأرصفة
وشعر الأطفال الشقر
وذرى الأشجار العالية
.. حيث أرى قلبك الأبيض
يتوهج وراء المسافات ...
مثل قمر ربيعيْ
*****
تمرّ بي الوجوه
مثل قطارات سريعة،
لاأريدها أن تقف.
تركض الأشياء
من حولي ،
كانها تدور
في دوامة صعبة
.. تكفهر الأمداء أمام عيني..
لا.. لأن السماء ملبدة بالغيوم
أو لأن الضباب
الذي هبط مع الصباح
حجب الأضواء والظلال،
... بل لأن وجهك
الواضح القسمات
لم يعد يشرق
في سمائي المسافرة
.. لأن عينيك الخضراوين
كبساتين الغوطة
أمستا بعيدتين
كأنهما نجمتان مهاجرتان،
****
الصوت لايصل
ولاالصدى
والجو ثقيل..
كأنه رصاص مسكوب
والأشجار عريانة..
كروح لم يدفئها الحب،
والطيور غادرت
إلى مواطن الدفء
وثمة قلب متعب
يتلفت بائساً
وقد افتقد دفقته الحارة.
-2-
"يكبر .. ينمو حبكِ
يجتاز البحر ويملأ رحب الأرضْ
تحتفل اللحظات بذكركِ
تنهلّ الكلمات
ويخصب هذا العمرْ
يابيدر ذاك الزمن الآتي
يأكل وعود الأرضْ..
ماأحلى النومَ
على هدبيكِ..
على ميلاد الصبحْ
.. هلّي ذكرى
ضيئي فجراً
أو كوني اللهب المحرقَ
يا حلم الكلماتْ ...
ها أشرق وجهكِ
في غابة هذا الثلجْ
هاأزهرَ
لوز العينين الأخضرْ
في وحشة .. هذا البستان المقفر."
-3-
أوقفت الزمن
على وقتكِ
عندك الشمس تشرق..
وعندي..
وراء جبال الجليد
وغابات الصقيع
يمعن الصبح في التواري
وراء الضباب والشفق
..ولكن وقت الحب
يعرف جيداً
كيف تغادر الساعات مداراتها
ليكون هناك،
زمان واحد...
وإذ تنهي الثواني
دورة صغيرة ..
على محيط الزمن..
تنتفض الدقيقة لتقول:
أحبك
وعندما تتراكم الدقائق
مثل أكداس الثلوج
يهبُّ القلب
وهو يغالب برودة الصقيع
ليعلن:
أحبك.
-4-
صرتِ أنت دمشق..
عصافير الشتاء
تهرب من البرد..
لتختبئ
بين أوراقك الدائمة الخضرة..
كل الطيور
هاجرت إليكِ
من هذا البلد البعيد
.. ورغم أن دخان المصانع
يلوث أنسام الصباح الباردة
خلف أكداس الجليد
في شوارع برلين العريضة الخاوية
فإن عطرك الناعم
كياسمين قاسيون
مازال يملأ صدري
ويمنحني القدرة على الصبر
***
.. أشربك
مع قهوة الصباح
في المقهى
الحافل بالغرباء
مثلما يفعل
أطفال الأحياء العتيقة
في هذه المدينة
التي احترفت الحب والحرب
حين يتجمعون ..
حول مدفأة البورصلان الكبيرة.
***
يذهب قطار
وتأتي حافلة،
يندف الثلج
ويتكسّر الصقيع
تشرق الشمس لحظة
ثم تغيب نهارات...
يخطف شاب قبلة
على الرصيف،
ويرتمي قلب
في عتمة المنعطف
يلقي طفل كرة ثلج
وترف عينا أمٍ.. كبرق
وأنا وحدي
احلم بعينين خضراوين..
وصدرٍ وسع كل أحلامي
-5-
"ياحبة هذا القلبْ
ياألق العمرِ
وسيدة الفرح الحاضر والآتي
إنّي ألقاك مع الفجرِ
في كل هبوب رياحْ
في كل مساءْ ...
إذ تزحف مسرعةً
نحوي العتمةْ
لتضيف إلى ليلي ظلمةْ
أنّي ألقاك مع السَحَرِ
إذ يغدو لون السحبِ
بلون رماد الأفئدة السوداءْ...
لكن سنا عينيك يضيءُ
فيمنح ذا الفجرَ بريقهْ
وتغني باسمكِ هذي الريحُ
الآتية من القطب أو الشرقِ
فتغدو عاصفة الثلج رفيقةْ
ويبدد عطركِ
حلكة هذا الغيم الداكنْ
في وحشة هذا الليلْ
وأراك بموكبك العلويّ
أميرة هذا القلبْ،
ياحبة هذا القلبْ."
-6-
تأكد الأمر الآن...
ليس جنوناً ولامرضاً
..إنه الحب
يقرع الأبواب
بكلتا يديه.
.. يطيب العيش
يحلو الصباح
يغدو مساكب مواعيد
تصبح لشعاع الشمس نكهة لذيذة ..
ترى العين الأجمل والأفضل،
تشتعل أغنية
تجرح القلب
ويغادر الأزرق
جدرانه المتقشرة
ليكون لونَ السماء والبحر.
ومع أن الأحمر...
يظل يروي حكايات الدم
لكنه يمسي لون الفجر
الذي لابد أن يأتي.
- 7 -
صوتكِ...
قمر الليالي الشاحبة
نشيد المسافات الطويلة،
وألق الشمس
في بيادر السحاب
لحن النهار الغارب
على شاطئ البحر..
طائر النار
والشفقُ الأبدي
-8-
يخيفني هذا الصباح
أحياناً.
كيف أمكن أن يتفجر
بكل هذا الضياء؟
من أين جاء
هذا البريق
الذي يبهر العيون؟
كيف يقدر القلب
ان يبحر
في منازل الشمس؟
وهل يقدر اليوم
أن يتجاوز ساعاته
الأربع والعشرين؟
وهل تستطيع الأرض أن تدور
أكثر من مرة واحدة
كل سنة؟
...مايخيف حقاً
ليس ذلك الصباح الباهر الضياء..
وحدَه الليلُ السرّيُّ
هو الأجدر بالخوف.
- 9 -
"ماذا لو أن الغربة قد طالت
لو أغلق هذا البحر الأبوابَ
فبتُّ بلا عينينْ
.. لو أن جبال الأرض ترامت من دوني
هل ثمة أقسى من هذا المنفى؟
.. لاصوتك يرسو في ميناء الليلْ
فيفكُّ الرصدَ
ويكسر أبواب الأحزانْ...
هل ثمة أقسى ...
من أن تنزف هذي الساعات السودُ
كأن اللحظة .. أكوام من صخرْ"
- 10 -
في الغوطة الشرقية
قرب الجسر
الذي نسفه ثائر منسي
شجرة حور
لم يرها أحد...
تصل جذورها
إلى مواطن الدفء الدائم..
ويرتفع جذعها
نحو أعلى نجمة
تراها العيون،
... هناك تكتب الظلال
أغنيات الأبد
وتنتقل على الغصون
طيور ..
جاءت من أعماق الكون
وتنبجس الينابيع...
شلالات من النور والنجوم ..
.. هناك .. فوق اللحاء الأخضر،
أبداً كعينيك..
كتبتُ اسمكِ
وجبلتُ دموعي وعرقي ودمي
وجعلت منها ازميلاً..
يستطيع أن يحفر اسمك
على أطراف السحب
وفوق غابات الفولاذ..
- 11 -
"يامالكةً سرّ اللحظاتْ
ياسيدة الزمن الآتي..
جيئيني في الحلمِ
.وصحوك حلمْ
جيئيني في اليقظةِ
يقظتك الأحلى..
رفّي أملاً
أو نور عيونْ
كوني ورداً
أو غصناً من زيتونْ ....
يملأ أيامي خضرةْ ...
ويؤمّلني الآن .. غداً
عمراً.. دهرا ...
ويبدد عتمة هذا الليلِ
فيمسي صبحاً مؤتلقا ..
فجرا....
ولقد أزف الميعاد بأن
يطلع هذا الفجرْ
هاأضواء الكون تطلّْ
هاعطر بساتين الشّام يهلّْ
ها وجهك يطلع أحلى
من قوس قزحْ
وتصوغ عصافير الصبح..
نشيد فرحْ.."
.... برلين 1981
???
-1-
كنتِ بالأمس
سيدة اللحظات،
والآن
أنت وحدك
أميرة الأمكنة
في الثلج الذي غمر كل شيء:
السهل والوادي
الجبل والأرصفة
وشعر الأطفال الشقر
وذرى الأشجار العالية
.. حيث أرى قلبك الأبيض
يتوهج وراء المسافات ...
مثل قمر ربيعيْ
*****
تمرّ بي الوجوه
مثل قطارات سريعة،
لاأريدها أن تقف.
تركض الأشياء
من حولي ،
كانها تدور
في دوامة صعبة
.. تكفهر الأمداء أمام عيني..
لا.. لأن السماء ملبدة بالغيوم
أو لأن الضباب
الذي هبط مع الصباح
حجب الأضواء والظلال،
... بل لأن وجهك
الواضح القسمات
لم يعد يشرق
في سمائي المسافرة
.. لأن عينيك الخضراوين
كبساتين الغوطة
أمستا بعيدتين
كأنهما نجمتان مهاجرتان،
****
الصوت لايصل
ولاالصدى
والجو ثقيل..
كأنه رصاص مسكوب
والأشجار عريانة..
كروح لم يدفئها الحب،
والطيور غادرت
إلى مواطن الدفء
وثمة قلب متعب
يتلفت بائساً
وقد افتقد دفقته الحارة.
-2-
"يكبر .. ينمو حبكِ
يجتاز البحر ويملأ رحب الأرضْ
تحتفل اللحظات بذكركِ
تنهلّ الكلمات
ويخصب هذا العمرْ
يابيدر ذاك الزمن الآتي
يأكل وعود الأرضْ..
ماأحلى النومَ
على هدبيكِ..
على ميلاد الصبحْ
.. هلّي ذكرى
ضيئي فجراً
أو كوني اللهب المحرقَ
يا حلم الكلماتْ ...
ها أشرق وجهكِ
في غابة هذا الثلجْ
هاأزهرَ
لوز العينين الأخضرْ
في وحشة .. هذا البستان المقفر."
-3-
أوقفت الزمن
على وقتكِ
عندك الشمس تشرق..
وعندي..
وراء جبال الجليد
وغابات الصقيع
يمعن الصبح في التواري
وراء الضباب والشفق
..ولكن وقت الحب
يعرف جيداً
كيف تغادر الساعات مداراتها
ليكون هناك،
زمان واحد...
وإذ تنهي الثواني
دورة صغيرة ..
على محيط الزمن..
تنتفض الدقيقة لتقول:
أحبك
وعندما تتراكم الدقائق
مثل أكداس الثلوج
يهبُّ القلب
وهو يغالب برودة الصقيع
ليعلن:
أحبك.
-4-
صرتِ أنت دمشق..
عصافير الشتاء
تهرب من البرد..
لتختبئ
بين أوراقك الدائمة الخضرة..
كل الطيور
هاجرت إليكِ
من هذا البلد البعيد
.. ورغم أن دخان المصانع
يلوث أنسام الصباح الباردة
خلف أكداس الجليد
في شوارع برلين العريضة الخاوية
فإن عطرك الناعم
كياسمين قاسيون
مازال يملأ صدري
ويمنحني القدرة على الصبر
***
.. أشربك
مع قهوة الصباح
في المقهى
الحافل بالغرباء
مثلما يفعل
أطفال الأحياء العتيقة
في هذه المدينة
التي احترفت الحب والحرب
حين يتجمعون ..
حول مدفأة البورصلان الكبيرة.
***
يذهب قطار
وتأتي حافلة،
يندف الثلج
ويتكسّر الصقيع
تشرق الشمس لحظة
ثم تغيب نهارات...
يخطف شاب قبلة
على الرصيف،
ويرتمي قلب
في عتمة المنعطف
يلقي طفل كرة ثلج
وترف عينا أمٍ.. كبرق
وأنا وحدي
احلم بعينين خضراوين..
وصدرٍ وسع كل أحلامي
-5-
"ياحبة هذا القلبْ
ياألق العمرِ
وسيدة الفرح الحاضر والآتي
إنّي ألقاك مع الفجرِ
في كل هبوب رياحْ
في كل مساءْ ...
إذ تزحف مسرعةً
نحوي العتمةْ
لتضيف إلى ليلي ظلمةْ
أنّي ألقاك مع السَحَرِ
إذ يغدو لون السحبِ
بلون رماد الأفئدة السوداءْ...
لكن سنا عينيك يضيءُ
فيمنح ذا الفجرَ بريقهْ
وتغني باسمكِ هذي الريحُ
الآتية من القطب أو الشرقِ
فتغدو عاصفة الثلج رفيقةْ
ويبدد عطركِ
حلكة هذا الغيم الداكنْ
في وحشة هذا الليلْ
وأراك بموكبك العلويّ
أميرة هذا القلبْ،
ياحبة هذا القلبْ."
-6-
تأكد الأمر الآن...
ليس جنوناً ولامرضاً
..إنه الحب
يقرع الأبواب
بكلتا يديه.
.. يطيب العيش
يحلو الصباح
يغدو مساكب مواعيد
تصبح لشعاع الشمس نكهة لذيذة ..
ترى العين الأجمل والأفضل،
تشتعل أغنية
تجرح القلب
ويغادر الأزرق
جدرانه المتقشرة
ليكون لونَ السماء والبحر.
ومع أن الأحمر...
يظل يروي حكايات الدم
لكنه يمسي لون الفجر
الذي لابد أن يأتي.
- 7 -
صوتكِ...
قمر الليالي الشاحبة
نشيد المسافات الطويلة،
وألق الشمس
في بيادر السحاب
لحن النهار الغارب
على شاطئ البحر..
طائر النار
والشفقُ الأبدي
-8-
يخيفني هذا الصباح
أحياناً.
كيف أمكن أن يتفجر
بكل هذا الضياء؟
من أين جاء
هذا البريق
الذي يبهر العيون؟
كيف يقدر القلب
ان يبحر
في منازل الشمس؟
وهل يقدر اليوم
أن يتجاوز ساعاته
الأربع والعشرين؟
وهل تستطيع الأرض أن تدور
أكثر من مرة واحدة
كل سنة؟
...مايخيف حقاً
ليس ذلك الصباح الباهر الضياء..
وحدَه الليلُ السرّيُّ
هو الأجدر بالخوف.
- 9 -
"ماذا لو أن الغربة قد طالت
لو أغلق هذا البحر الأبوابَ
فبتُّ بلا عينينْ
.. لو أن جبال الأرض ترامت من دوني
هل ثمة أقسى من هذا المنفى؟
.. لاصوتك يرسو في ميناء الليلْ
فيفكُّ الرصدَ
ويكسر أبواب الأحزانْ...
هل ثمة أقسى ...
من أن تنزف هذي الساعات السودُ
كأن اللحظة .. أكوام من صخرْ"
- 10 -
في الغوطة الشرقية
قرب الجسر
الذي نسفه ثائر منسي
شجرة حور
لم يرها أحد...
تصل جذورها
إلى مواطن الدفء الدائم..
ويرتفع جذعها
نحو أعلى نجمة
تراها العيون،
... هناك تكتب الظلال
أغنيات الأبد
وتنتقل على الغصون
طيور ..
جاءت من أعماق الكون
وتنبجس الينابيع...
شلالات من النور والنجوم ..
.. هناك .. فوق اللحاء الأخضر،
أبداً كعينيك..
كتبتُ اسمكِ
وجبلتُ دموعي وعرقي ودمي
وجعلت منها ازميلاً..
يستطيع أن يحفر اسمك
على أطراف السحب
وفوق غابات الفولاذ..
- 11 -
"يامالكةً سرّ اللحظاتْ
ياسيدة الزمن الآتي..
جيئيني في الحلمِ
.وصحوك حلمْ
جيئيني في اليقظةِ
يقظتك الأحلى..
رفّي أملاً
أو نور عيونْ
كوني ورداً
أو غصناً من زيتونْ ....
يملأ أيامي خضرةْ ...
ويؤمّلني الآن .. غداً
عمراً.. دهرا ...
ويبدد عتمة هذا الليلِ
فيمسي صبحاً مؤتلقا ..
فجرا....
ولقد أزف الميعاد بأن
يطلع هذا الفجرْ
هاأضواء الكون تطلّْ
هاعطر بساتين الشّام يهلّْ
ها وجهك يطلع أحلى
من قوس قزحْ
وتصوغ عصافير الصبح..
نشيد فرحْ.."
.... برلين 1981
???