ذكريات في مهب الريح...!!
عندي طيوبٌ من الماضي وذكراهُ | ||
ماذا تفيدُ بقايا الطيبِ لولاهُ | ||
يُنمنمُ الحلمُ الورديُّ أجنحتي | ||
ويغدقُ النورَ في جفني فأهواهُ | ||
هو الشبابُ تجلَّى في متارفه | ||
طيفاً يغيبُ وفي العينين مأواهُ | ||
نبعُ الصبا نضبتْ أمواهه فغدا | ||
قلبي على الجمر تروي سرّه الآهُ | ||
فكمْ تمنّيتُ عَوْداً للشباب وكم | ||
تملْمَلَ القلبُ في حمّى بقاياهُ | ||
يا أمنياتِ الصبا عودي لمفتئدٍ | ||
لَمْ تبصرِ النورَ بعد الهجرِ عيناهُ | ||
يا خيبةَ العمرِ والأيامُ راحلةٌ | ||
خلفَ السرابِ وفي الإظلامِ مسراهُ | ||
حلَّ المغيبُ فلا الرؤيا بواضحةٍ | ||
ولا النعيمُ يقينا من خباياهُ | ||
ما أصعبَ العمرَ أن نلقى ملاعبنا | ||
قفراً وتسكنُ ريفَ العين أشباهُ | ||
تظل أعيُنُنا في التيهِ عالقةً | ||
والأمسُ تَعْذُبُ في الأسماعِ نجواهُ | ||
هو الزمانُ إلى النعماءِ يُظّمِئنا | ||
مهما خبرناه لم نكشف خفاياهُ | ||
لن يَسْلَمَ المرءُ مهما عاشَ في دعةٍ | ||
يمضي النعيمُ ويفنى العزُّ والجاهُ | ||
كنّا ابتسامَ الضحى في ثغر غاليةٍ | ||
فهلْ يغارُ الضحى مما أَلِفْنَاهُ | ||
نحنُ الذينَ رسمنا الحلمَ أمنيةً | ||
فكيفَ نُنْكِرُ حلماً قَّدْ رَسَمْناهُ | ||
نروي حكاياتِنا في كلِّ مفترقٍ | ||
وحولنا الليلُ يطوي ما حكيناهُ | ||
وينشر الوردُ من أطيابنا عبقاً | ||
فتحملُ الريحُ عطراً قد نشرناهُ | ||
ونشربُ الكوبَ عند الفجرِ نترعهُ | ||
يباركُ الفجرُ كوباً قد شربناهُ | ||
في كلِّ قلبٍ حنينٌ ثار متقداً | ||
كأنما النارُ شَبَّتْ في حناياهُ | ||
أمستْ ليالي الصبا طيفاً يُعلّلنا | ||
وكل طيفٍ من الذكرى عشقناهُ | ||
يا شاعراً صاغ للدنيا قلائدها | ||
وألبسَ القفرَ زهواً من هداياهُ | ||
يغفو غريقاً ببحرٍ من لواعجه | ||
والحلمُ جاثٍ وفي الأهداب مثواهُ | ||
يا من جنحتَ إلى التذكارِ مكتئباً | ||
مثلَ الغريبِ وفقدُ الأهلِ أضناهُ | ||
يعيشُ في غربةٍ والبعدُ يرهقهُ | ||
والشوقُ يفرشُ حزناً في محيَّاهُ | ||
يمضي الأديبُ بروح الفكرِ منسجماً | ||
مع الأماني ووحي الفكرِ أغناهُ | ||
يُعطي ويوهبُ لا شكوى ولا مللٌ | ||
وكم تذوبُ من التحنانِ عيناهُ | ||
يا منْ عبرتَ إلى نجمِ السُّهى أملاً | ||
وتسهرُ الليلَ في يأسٍ وترعاهُ | ||
الشِعرُ عندكَ إيحاءٌ ومعجزةٌ | ||
وعاطرُ الزهرِ أملاه وندَّاهُ | ||
يا عابراً تزحمُ الآفاقَ خطوتهُ | ||
وحاملاً من نثارِ الدرِّ أغلاهُ | ||
لأَنْتَ نهرٌ من الأشواقِ منبعُهُ | ||
فهلْ يُغَيِّرُ نَهرُ الشوقِ مجراهُ؟ | ||
فالنهرُ يكتمُ أسرارَ الهوى أبداً | ||
لا يعرفُ السرَّ إلا النهرُ واللّهُ | ||
فعشْ على ضِفةِ الآمالِ مبتسماً | ||
واخترْ من العيشِ أصفاهُ وأحلاهُ | ||
وَصُغْ أمانيكَ أحلاماً مُنمقةً | ||
فالعمرُ لولا الأماني ضاعَ معناهُ | ||
وزورقُ المرءِ ماضٍ في مسيرتهِ | ||
مهما يطلْ سيرُهُ فالشطُ مرساهُ | ||
لوخيَّرُوا النَسْرَ في دنيا يُفضِّلها | ||
لاختارَ في القمةِ الشماءِ دُنياهُ | ||
يا شاعراً من رؤى الإبداع طلعتهُ | ||
أيا شهيد الهوى والخلدُ سكناهُ |