همسة حب وعتاب إلى أبي الطيب المتنبي..
يسرُّ فؤادي في هواكَ عتابُ | ||
إذا قلتُ شعراً هلْ لديكَ جوابُ ؟ | ||
أناجيكَ والأحلامُ تسكنُ مقلتي | ||
وتنأى عن القلبِ المشوقِ رغابُ | ||
أسائلُ وجه الأمسِ يُحجمُ صامتاً | ||
كأنك سِرٌّ يحتويه حجابُ | ||
أبا "محسدٍ" يا فخر من حفلتْ به | ||
شموسٌ وأزكتْ عارضيهِ طِيابُ | ||
رفدتَ عيونَ الشعر حتى تألقتْ | ||
وجادَ على الروضِ المحيلِ سحابُ | ||
ملأتَ سماءَ الشرقِ عَرفاً كأنما | ||
تناثرَ طيبٌ من نَداكَ مُذابُ | ||
فأنتَ إلى الحرفِ الصفيّ رسولُه | ||
وبالحكمِ السمحاءِ أنتَ كتابُ | ||
وللعزةِ العصماءُ أَنْتَ نظيرها | ||
وما كنتَ مِمَّنْ ناظروكَ تهابُ | ||
تَملّكْتَ عرشَ الشعرِ كِبراً ومَحْتداً | ||
فكدتَ بسهمِ الحاقدين تُصابُ | ||
ولم تعرفِ البيداءُ مثلكَ شاعراً | ||
طوته الفيافي واستبته حرابُ | ||
عبرتَ دروبَ الخوفِ حتى أنلتها | ||
فهانتْ برغم العاصفاتِ صعابُ | ||
مضيتَ فأغرتك المسافاتُ والعلى | ||
وكم ضاقَ حتى من علاكَ صحابُ ؟ | ||
تحمَّلْتَ وِزْرَ المالكين تودداً | ||
وغامرتَ تستهوي مُنّاكَ طِلابُ | ||
لياليكَ مَا مَرَّتْ على جفنِ شاعرٍ | ||
ولا جمّلتْها بالمدام كعابُ ؟ | ||
تُحِبُّ ولكنْ عشقُ قلبكَ صامتٌ | ||
أيُخمدُ نارَ العاشقين شرابُ | ||
وكنتَ بحب الفاتناتِ كصخرةٍ | ||
تعانِدُ موجَ البحرِ وهوعُبابُ | ||
أبا "محسدٍ" والمجدُ أنتَ قرينه | ||
جناحاكَ في عصفِ الرياح ركابُ | ||
تجاهر بالشعرِ الأصيلِ مفاخراً | ||
وما اسطاعَ أن يمحو سناكَ ضبابُ | ||
مدحتَ كراماً واسْتَهَنْتَ بغيرهم | ||
ونمتَ قريراً والأنامُ غِضابُ | ||
تجاوزتَ بالهجوِ المريرِ لمعشرٍ | ||
كرامٍ فهلْ هجوُ الكرامِ صوابُ | ||
ومدحكَ كافوراً تريدُ ولايةً | ||
فهلْ نفع المخصيَّ منكَ خِطابُ ؟ | ||
فعدتَ إلى أرضِ الجزيرةِ راحلاً | ||
وما كنتَ قد ترجوهُ فهو سرابُ | ||
وجُبتَ بلادَ الفرسِ حتى شِعَابها | ||
فأغرتكَ منها روعةٌ وملابُ | ||
حملتَ لسيفِ الدولةِ الحبَّ خالصاً | ||
وغبتَ وكم أورى الحنينَ غيابُ ؟ | ||
هو الجودُ في كفّيهِ بحرٌ من الندى | ||
وفي الحربِ سيفٌ صارمٌ وعُقابُ | ||
تخفَّتْ عيونُ الشمسِ تحتَ رِدائهِ | ||
فما حجب النورَ الشفيفَ نِقابُ | ||
وأهديتَهُ بالشعر أغلى قصائدٍ | ||
وأروعُ ما في الشعرِ منكَ عِتابُ | ||
رثيْتَ فأبدعتَ الرثاءَ توجداً | ||
وأحببتَ من ترثي فهانَ عذابُ | ||
أيا شاعراً أمضى الحياةَ مغامراً | ||
شريداً ولم تضنِ المسيرَ شعابُ | ||
فَمِنْكَ عقودُ الدرِّ زهوٌ وفتنةٌ | ||
لآلئ في جيد الزمان عجابُ | ||
هو الشعرُ، والبيداءُ والليلُ والقنا | ||
رموزُ علاً لَكِنَّهنَّ مُصابُ | ||
أبا "محسدٍ" مازالَ شعركَ رائداً | ||
وكلُّ جديدٍ إن ذُكرتَ يُعابُ | ||
تأمّل تر الأيامَ بعدكَ أظلمتْ | ||
وناسَ بدربِ المبدعين شِهابُ | ||
فَنَمْ في ضمير الغيبِ نومةَ هانئٍ | ||
فليسَ لِفَقْدِ الراحلينَ إيّاب | ||
رَحَلْتَ وَظَلَّ الذِكرُ للجيلِ مشعلاً | ||
فأنت لكل التائهين مآب | ||
إذا ضاقَ أهلُ الأرضِ بالشعرِ والهوى | ||
ونَغّمَ بالشعرِ الهجينِ غُرابُ | ||
وأُوغِرَ صدرُ الشامِتينَ جهالةً | ||
وهدَّتْ صُرُوحَ الملهمينَ قُباب | ||
ستبقى مدى الأزمانِ نبعَ منارةٍ | ||
كأنكَ شمسٌ والجميعُ سرابُ |