" اللوح لثاني"
قبسٌ من الأحزانِ مدّ ظلالَه
في عالِم النجوى
وطاف على الأزقِّةِ والبيوتْ
قبسٌ من الأحزان
مبدأُه المرارةُ في دمي
والمنتهى،
بعد انكسارِ الضوءِ..
بعد نوازلِ الأيامِ
ساحَ إلى دمي
وهناك يركنُ .. مايزالْ
ويدور ما بين الوجوهِ لهيبُهُ
فتهدّمت آياتُ أحلامِ البلادِ...
تهدّمت مابين أنيابِ الضواري
وارتمى وقعُ الهوانِ
على مواعيدِ الغمامْ،
مزقاً هي الأحلامُ صارَ وجيبُها
ومدائنُ الأحبابِ لوّثَها جنونُ النفطِ،
أعلنَ موتَها زحفُ الرقابِ
إلى معاقرةِ السلامْ.
يانفسُ هلّي في المدى
وتكلمي يا نفسُ...
فيضي في شرايين السهوبِ نداوةً،
إني، كما احترقَ الصدى،
ألفَيْتُ ذاكرتي
وإني في جنوح العاصفاتِ
أمدّ أرديةَ العناء مع السؤالْ:
من أين تبتديءُ الدموع رحيلَها..؟
من أين يبتديءُ الكلامْ...؟
من أين سيّدةَ الهوى،
أجتازُ نحوكِ غربةً
تمتدّ كالموتِ البطيءِ...؟
وكيف أُلقي في حنانِ الصدرِ
أسرارَ الفؤادِ،
وأغمض العينينِ من ولهٍ
وأرحل قارئاً كفَّ الأسى
في ذروةِ الشجرِ الغمامْ...؟
ففي النفسِ حاجاتٌ إليكِ كثيرةٌ
أرى الشرحَ فيها والحديثَ يطولُ(1)
فكيف إذا رُدْتِ الفؤاد صبابةً
وأصبحتِ نبضاً بالحنينِ يجولُ
سَرَيْتُ طويلاً في رباكِ مولّهاً
سرابُ الضحى للخائبين دليلُ
سلامٌ على الأحباب دمعاً ومقلةً
له في سكونِ العادياتِ حلول)
***
شجنٌ على شجنٍ تراكمَ
واستوى سفراً،
به الكلماتُ ناسُلةٌ على الأطلالِ
أتعبها الهيامْ
وحروفُها مخضرّةٌ في لوحِها الأزليِّ
هزّي يا حزانى الحيّ أغصانَ الشجرْ
حانتْ مواعيدُ الصلاةِ على الجراحْ
واستحضري الحلمَ الذي قد كان يحيا
في شرايين الأَنامْ
واستنبطي أَلَقَ الخطى
وأمشي بنورِ اللهِ
واغْتَسِلي بذاكرةِ المَطرْ
هذا هو الشجنُ المباركُ
يرتدي ما بين نازلة الدهورِ
طقوسَه حمماً
مزّينة بأعشابِ السماءِ
ويستوي سفراً
ويبتدئُ الكلامْ
****
والتّينِ
والزيتونِ
والبلدِ الأمينْ
وقبورِ أجدادي
سأرحلُ في جنونِ الشعر عشقاً
نحو وجهكِ والندى
وأجوبُ آقاقَ المهالك عنوةً
وأَرُودُ من قلبِ المفازةِ هولَها
وأظلُّ أعشقُ من رؤاكِ
ثمارَها
وعذابَها
وأمدُّ جسراً بين فاتحةِ المواجعِ
وانكسارِ الضوءِ في ألقِ العيونْ
أقسمتُ أن أبكي على قدميكِ
مبتهلاً
ولن أخشى على عنقي الهزيلِ
من الإبادةْ.
هل يملكُ الأحبابُ غيرَ دموعِهم
والقلبِ
والأملِ المسوّرِ بالشهادةْ...!!؟
أقسمتُ أن أطوي الفيافي
باحثاً عن ظلّكِ المشطورِ
في سرِّ الخرائطِ
باحثاً عن أبجديّات الركوع
من المحيط إلى الخليج
إلى مشارف قاسيونْ
وأنا أجولُ ،
وأحتمي بالصمتِ والترحالِ،
أحملُ في عشيّاتي قواميسَ العبادةْ
وأقول:
يا بلدَ الأسى،
من أيِّ ناحية أراكَ..
أراكَ في جوعِ العصورِ طريدةً،
تمتدُّ نحو عناقها كلُّ المخالب..
كل مَن سالتْ رغائبُهُ
وشطّ لعابهُ ، طرباً،
على إِطلالةِ الشرفاتِ
واحتلّتْ دياجيه العيونْ.
هذا هو البلدُ الذي
ماعاشَ من ألفٍ من الأعوامِ
إلا في صديدِ جراحهِ
وجراحُهُ تنسالُ في ليلِ العتابا
وردةً
تلهو بها الشهواتُ صاخبةً
وتحفرُ قبرَها المجهولَ وشماً
في قلوبِ الخائفينْ.
هذا هو البلدُ الذي
يلتمُّ في كفنٍ
تـُرى هل تسترُ الأكفانُ عريَكَ...!؟
أم تـُرى،
هل تستعيدُ الأرضُ وهجَ شبابها.
والصدرُ يلقى حلمَه المفقودَ..!!؟
هم جعلوكَ مسلوبَ الأماني
يستميل القبرُ هيكلكَ المهدّم
والدبيبُ رجاؤك المنخورُ
في زمن الأنينْ
ها هم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان يبتديءُ الكسوفُ سبيلَهُ
بين الفجيعةِ والجنونْ،
وأوان - ياصيفَ العذابِ-
يمدّ تنّينُ الجحيمِ لسانَهُ
وتـُزلزَلُ الصحراءُ زلزلةً،
تدكُّ رمالَها ونخيلَها
فتفرُّ من هولِ الحكايا)،
في براري الموتِ،
عن أولادِها الأمُّ الحنونْ.
ها هم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان ترتادُ الرماحُ جماجمَ الموتى
وتشرعُ بالصليلِ
وترتوي أشداقُها.
من غيرِأن تروي الرؤوس غليلَها
في ساحةِ الوطنِ الملوّثةِ الجبينْ.
هاهم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان تبتهجُ القصورُ
وتحرقُ الكافورَ في صخبٍ
وتجتمعُ العوالمُ كلُّها،
أمراؤها
وكلابُها
والقاتلونْ
وأبو رغالٍ(2) يستردّ ضلالَه
ويصيرُ مطواعاً
كخاتمِ ساحرٍ في أصبعٍ
يهدي الفرنجةَ في أراضي اللهِ
والبلدِ الأمين
(1) - البيت لشاعر عذري.
(2) - عندما توجه أبرهة الحبشي لغزو مكة، تطوّع أبو رغال ليكون دليلاً له في الطريق، ولما مات بين مكة والطائف، ودفُن هناك، صار الناس يرجمون قبره، وفي ذلك يقول الشاعر:
وأرجم قَبرَه في كلِ عامٍ كرجمِ الناسِ قَبرَ أبيِ رغالِ
قبسٌ من الأحزانِ مدّ ظلالَه
في عالِم النجوى
وطاف على الأزقِّةِ والبيوتْ
قبسٌ من الأحزان
مبدأُه المرارةُ في دمي
والمنتهى،
بعد انكسارِ الضوءِ..
بعد نوازلِ الأيامِ
ساحَ إلى دمي
وهناك يركنُ .. مايزالْ
ويدور ما بين الوجوهِ لهيبُهُ
فتهدّمت آياتُ أحلامِ البلادِ...
تهدّمت مابين أنيابِ الضواري
وارتمى وقعُ الهوانِ
على مواعيدِ الغمامْ،
مزقاً هي الأحلامُ صارَ وجيبُها
ومدائنُ الأحبابِ لوّثَها جنونُ النفطِ،
أعلنَ موتَها زحفُ الرقابِ
إلى معاقرةِ السلامْ.
يانفسُ هلّي في المدى
وتكلمي يا نفسُ...
فيضي في شرايين السهوبِ نداوةً،
إني، كما احترقَ الصدى،
ألفَيْتُ ذاكرتي
وإني في جنوح العاصفاتِ
أمدّ أرديةَ العناء مع السؤالْ:
من أين تبتديءُ الدموع رحيلَها..؟
من أين يبتديءُ الكلامْ...؟
من أين سيّدةَ الهوى،
أجتازُ نحوكِ غربةً
تمتدّ كالموتِ البطيءِ...؟
وكيف أُلقي في حنانِ الصدرِ
أسرارَ الفؤادِ،
وأغمض العينينِ من ولهٍ
وأرحل قارئاً كفَّ الأسى
في ذروةِ الشجرِ الغمامْ...؟
ففي النفسِ حاجاتٌ إليكِ كثيرةٌ
أرى الشرحَ فيها والحديثَ يطولُ(1)
فكيف إذا رُدْتِ الفؤاد صبابةً
وأصبحتِ نبضاً بالحنينِ يجولُ
سَرَيْتُ طويلاً في رباكِ مولّهاً
سرابُ الضحى للخائبين دليلُ
سلامٌ على الأحباب دمعاً ومقلةً
له في سكونِ العادياتِ حلول)
***
شجنٌ على شجنٍ تراكمَ
واستوى سفراً،
به الكلماتُ ناسُلةٌ على الأطلالِ
أتعبها الهيامْ
وحروفُها مخضرّةٌ في لوحِها الأزليِّ
هزّي يا حزانى الحيّ أغصانَ الشجرْ
حانتْ مواعيدُ الصلاةِ على الجراحْ
واستحضري الحلمَ الذي قد كان يحيا
في شرايين الأَنامْ
واستنبطي أَلَقَ الخطى
وأمشي بنورِ اللهِ
واغْتَسِلي بذاكرةِ المَطرْ
هذا هو الشجنُ المباركُ
يرتدي ما بين نازلة الدهورِ
طقوسَه حمماً
مزّينة بأعشابِ السماءِ
ويستوي سفراً
ويبتدئُ الكلامْ
****
والتّينِ
والزيتونِ
والبلدِ الأمينْ
وقبورِ أجدادي
سأرحلُ في جنونِ الشعر عشقاً
نحو وجهكِ والندى
وأجوبُ آقاقَ المهالك عنوةً
وأَرُودُ من قلبِ المفازةِ هولَها
وأظلُّ أعشقُ من رؤاكِ
ثمارَها
وعذابَها
وأمدُّ جسراً بين فاتحةِ المواجعِ
وانكسارِ الضوءِ في ألقِ العيونْ
أقسمتُ أن أبكي على قدميكِ
مبتهلاً
ولن أخشى على عنقي الهزيلِ
من الإبادةْ.
هل يملكُ الأحبابُ غيرَ دموعِهم
والقلبِ
والأملِ المسوّرِ بالشهادةْ...!!؟
أقسمتُ أن أطوي الفيافي
باحثاً عن ظلّكِ المشطورِ
في سرِّ الخرائطِ
باحثاً عن أبجديّات الركوع
من المحيط إلى الخليج
إلى مشارف قاسيونْ
وأنا أجولُ ،
وأحتمي بالصمتِ والترحالِ،
أحملُ في عشيّاتي قواميسَ العبادةْ
وأقول:
يا بلدَ الأسى،
من أيِّ ناحية أراكَ..
أراكَ في جوعِ العصورِ طريدةً،
تمتدُّ نحو عناقها كلُّ المخالب..
كل مَن سالتْ رغائبُهُ
وشطّ لعابهُ ، طرباً،
على إِطلالةِ الشرفاتِ
واحتلّتْ دياجيه العيونْ.
هذا هو البلدُ الذي
ماعاشَ من ألفٍ من الأعوامِ
إلا في صديدِ جراحهِ
وجراحُهُ تنسالُ في ليلِ العتابا
وردةً
تلهو بها الشهواتُ صاخبةً
وتحفرُ قبرَها المجهولَ وشماً
في قلوبِ الخائفينْ.
هذا هو البلدُ الذي
يلتمُّ في كفنٍ
تـُرى هل تسترُ الأكفانُ عريَكَ...!؟
أم تـُرى،
هل تستعيدُ الأرضُ وهجَ شبابها.
والصدرُ يلقى حلمَه المفقودَ..!!؟
هم جعلوكَ مسلوبَ الأماني
يستميل القبرُ هيكلكَ المهدّم
والدبيبُ رجاؤك المنخورُ
في زمن الأنينْ
ها هم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان يبتديءُ الكسوفُ سبيلَهُ
بين الفجيعةِ والجنونْ،
وأوان - ياصيفَ العذابِ-
يمدّ تنّينُ الجحيمِ لسانَهُ
وتـُزلزَلُ الصحراءُ زلزلةً،
تدكُّ رمالَها ونخيلَها
فتفرُّ من هولِ الحكايا)،
في براري الموتِ،
عن أولادِها الأمُّ الحنونْ.
ها هم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان ترتادُ الرماحُ جماجمَ الموتى
وتشرعُ بالصليلِ
وترتوي أشداقُها.
من غيرِأن تروي الرؤوس غليلَها
في ساحةِ الوطنِ الملوّثةِ الجبينْ.
هاهم سوادُ الناسِ
ينتسبون في شغفٍ إليكَ
أوان تبتهجُ القصورُ
وتحرقُ الكافورَ في صخبٍ
وتجتمعُ العوالمُ كلُّها،
أمراؤها
وكلابُها
والقاتلونْ
وأبو رغالٍ(2) يستردّ ضلالَه
ويصيرُ مطواعاً
كخاتمِ ساحرٍ في أصبعٍ
يهدي الفرنجةَ في أراضي اللهِ
والبلدِ الأمين
(1) - البيت لشاعر عذري.
(2) - عندما توجه أبرهة الحبشي لغزو مكة، تطوّع أبو رغال ليكون دليلاً له في الطريق، ولما مات بين مكة والطائف، ودفُن هناك، صار الناس يرجمون قبره، وفي ذلك يقول الشاعر:
وأرجم قَبرَه في كلِ عامٍ كرجمِ الناسِ قَبرَ أبيِ رغالِ