-قربيني يا دير-
مهداة إلى مدينة دير الزور بمناسبة زيارة الشاعر لها عام 1994م).
جئت والشوق في دمي وشعوري
لنعيم اللقيا بدير الزور
أحمل البحر وهو يلهث ظمآن
لماء من الفرات نمير
أحمل البحر، أبيضاً ومحيطاً
أحمر الجفن في قناة العبور
جفف الملح حلقه، حين صار الملح
فينا، طعام جرح النسور
جرَّح الشط خده حين صار الشط
مأوىً لجارحات الصخور
شرب الغيم دمعه، زفرة الشاكي
لهاث المحموم، عند الهجير
وانتظرنا السحاب غيثاً ولكن
أفلس الغيم، فهو غير مطير
***
غرَّب البحر.. أين ذات السواري
وشراع الجهاد والتكبير؟
زرع الوهم شوقه بالأباطيل
فطالت أمواجه بالغرور
كل أسماكه وكل دراريه استراحت
في بطن حوت كبير
واستفاقت مثل المهاة تهادى
بنت صهيون، من ذوات الخدور
وتبارى بعد الجفاء ملوك العرب
أبطال ساحة التحرير
يعلنون النفير، سبقاً لتزيين
مراعي أقدامها بالزهور
***
لا أطيق الغروب في الغرب ليلاً
لا أطيق الحياة بين القبور
قربيني يا دير من مطلع الشمس
فقد صنت للشروق مصيري
قربيني من بارق العز في الصحراء
أُمدي على مداها حصيري
وازرعيني قنديل بيت من الشعر
بوجه الرياح في الزمهرير
أصدأتنا الحياة في ساحل العيش
وصيد الأحلام بين القصور
أسكرتنا زهواً عناقيد كرم
حصرمت وهي طفلة في السرير
فاسكبي في رياض ذي قار أشعاري
وصبي على ثراها عبيري
***
ناوليني يا دير دفتر أيامي
ومدي حبائل التذكير
واقرئيني لما أتيتك بالأمس
وزادي زنابق الطبشور"(1) "
كنتِ عش الحروف، خبز عطاء الروح
في رحلة الهدى والنور
عشتُ عامين في حماك وعمري
يتنامى خصوبة، وسروري
كان صدق الإحساس في أعين الناس
ومازال صاحبي وعشيري
***
واكتنزت الفرات، نسغ الحضارات
ومبعوثها لكل العصور
صاهلاً كان، فارهاً في مدى الحسن
قوياً، يختال بين المهور
تشتهيه السهول شماً وضماً
وارتعاش الأنفاس فوق الصدور
وأراه يمشي الهوينى وقد راح
يجر الخطا بكل فتور
***
أيها الأهل أحمل الأمس إشعاعاً
بقلبي، ويقظة في ضميري
جاء يسعى مع العصافير مشتاقاً
لآفاق دوحكم عصفوري
وهو يدري بأن عزم جناحيه
مدين لحقلكم بالبذور
جئت والشعر نبض جرح رعيف
يسكب الفجر مشرقاً في جذوري
يعصر الأنجم البعيدة زيتاً
لسراج، وناظراً لضرير
أنا شعري. أوزانه نبض قلبي
وقوافيه: شهقتي وزفيري
لا تقولوا للشعر: حرا، عموداً
بل وحتى من لؤلؤ منثور
يعبر الزهر في الحياة شتاتاً
وهو طيب موحد في العطور
إنه الشعر، قد تسامى عن الشكل
وعن ميعة الصبا في القشور
هو عندي روح توهج بالحب
لمجد الإنسان عبر الدهور
وخيال يقتات بوح جنانٍ
يشعل الحلم في جفون الحور
هو حرف يقطّر الغيب لغزاً
وكلام يسمو على التنظير
إنه نفخة الإله بصدري
لا أغالي، ولست بالمغرور
***
يا عروس الفرات، قد يعبس الدهر
وتبقين بسمة في الثغور
أهلك الأهل. قد تعلم منهم
أغنيات الذرا جناح الصقور
أطعموا تربة الحياة جذور الشمس
معجونة بنسغ البدور
***
إيه يا دير ما ذكرتك إلا
سال نبع الضياء في تفكيري
ربما قلَّ عن معانيك قولي
فاعذريني وسامحي تقصيري
واحمليني طيَّ الجناح صديقاً
وامسكي جبهة السماء وطيري
***
افظة دير الزور في الخمسينات من هذا القرن.
مهداة إلى مدينة دير الزور بمناسبة زيارة الشاعر لها عام 1994م).
جئت والشوق في دمي وشعوري
لنعيم اللقيا بدير الزور
أحمل البحر وهو يلهث ظمآن
لماء من الفرات نمير
أحمل البحر، أبيضاً ومحيطاً
أحمر الجفن في قناة العبور
جفف الملح حلقه، حين صار الملح
فينا، طعام جرح النسور
جرَّح الشط خده حين صار الشط
مأوىً لجارحات الصخور
شرب الغيم دمعه، زفرة الشاكي
لهاث المحموم، عند الهجير
وانتظرنا السحاب غيثاً ولكن
أفلس الغيم، فهو غير مطير
***
غرَّب البحر.. أين ذات السواري
وشراع الجهاد والتكبير؟
زرع الوهم شوقه بالأباطيل
فطالت أمواجه بالغرور
كل أسماكه وكل دراريه استراحت
في بطن حوت كبير
واستفاقت مثل المهاة تهادى
بنت صهيون، من ذوات الخدور
وتبارى بعد الجفاء ملوك العرب
أبطال ساحة التحرير
يعلنون النفير، سبقاً لتزيين
مراعي أقدامها بالزهور
***
لا أطيق الغروب في الغرب ليلاً
لا أطيق الحياة بين القبور
قربيني يا دير من مطلع الشمس
فقد صنت للشروق مصيري
قربيني من بارق العز في الصحراء
أُمدي على مداها حصيري
وازرعيني قنديل بيت من الشعر
بوجه الرياح في الزمهرير
أصدأتنا الحياة في ساحل العيش
وصيد الأحلام بين القصور
أسكرتنا زهواً عناقيد كرم
حصرمت وهي طفلة في السرير
فاسكبي في رياض ذي قار أشعاري
وصبي على ثراها عبيري
***
ناوليني يا دير دفتر أيامي
ومدي حبائل التذكير
واقرئيني لما أتيتك بالأمس
وزادي زنابق الطبشور"(1) "
كنتِ عش الحروف، خبز عطاء الروح
في رحلة الهدى والنور
عشتُ عامين في حماك وعمري
يتنامى خصوبة، وسروري
كان صدق الإحساس في أعين الناس
ومازال صاحبي وعشيري
***
واكتنزت الفرات، نسغ الحضارات
ومبعوثها لكل العصور
صاهلاً كان، فارهاً في مدى الحسن
قوياً، يختال بين المهور
تشتهيه السهول شماً وضماً
وارتعاش الأنفاس فوق الصدور
وأراه يمشي الهوينى وقد راح
يجر الخطا بكل فتور
***
أيها الأهل أحمل الأمس إشعاعاً
بقلبي، ويقظة في ضميري
جاء يسعى مع العصافير مشتاقاً
لآفاق دوحكم عصفوري
وهو يدري بأن عزم جناحيه
مدين لحقلكم بالبذور
جئت والشعر نبض جرح رعيف
يسكب الفجر مشرقاً في جذوري
يعصر الأنجم البعيدة زيتاً
لسراج، وناظراً لضرير
أنا شعري. أوزانه نبض قلبي
وقوافيه: شهقتي وزفيري
لا تقولوا للشعر: حرا، عموداً
بل وحتى من لؤلؤ منثور
يعبر الزهر في الحياة شتاتاً
وهو طيب موحد في العطور
إنه الشعر، قد تسامى عن الشكل
وعن ميعة الصبا في القشور
هو عندي روح توهج بالحب
لمجد الإنسان عبر الدهور
وخيال يقتات بوح جنانٍ
يشعل الحلم في جفون الحور
هو حرف يقطّر الغيب لغزاً
وكلام يسمو على التنظير
إنه نفخة الإله بصدري
لا أغالي، ولست بالمغرور
***
يا عروس الفرات، قد يعبس الدهر
وتبقين بسمة في الثغور
أهلك الأهل. قد تعلم منهم
أغنيات الذرا جناح الصقور
أطعموا تربة الحياة جذور الشمس
معجونة بنسغ البدور
***
إيه يا دير ما ذكرتك إلا
سال نبع الضياء في تفكيري
ربما قلَّ عن معانيك قولي
فاعذريني وسامحي تقصيري
واحمليني طيَّ الجناح صديقاً
وامسكي جبهة السماء وطيري
***
افظة دير الزور في الخمسينات من هذا القرن.