إمرأة تميل إلى الأرض الموات...
إلى(....) التي ذابت
في الغرب....
فلنتفقْ علناً بأنكِ كذبةٌ
وبأنكِ الحبّ الذي لا بدّ منه
لكي نكونْ
وبأنّكِ الأنثى التي لا تنتهي
الحلمُ
الجنونْ
وبأنّكِ الأفقُ الذي لولاهُ
ما كانتْ طيور القلبِ
تبحثُ عن مدىً صافٍ
وتبحث عن سكونْ
...
فبأيِّ معجزةٍ أتيتِ
سوى التكاثر في دمي؟
...
رفقاً بحزني
فاسكتي الأمواج
كي أهدا قليلاً
واطفئي الأنوار
كي أغفو قليلاً
وامنحي الأقمار
فرصتها الأخيرة
كي تودّع ليلها المنسيَ
في عينينِ فاتكتينِ
وها يداي
فشيّدي لحمامنا الناجي
البروج
وحطمي وثناً صنعتُهُ
حين كرّرت الحكاية:
إننّي منذ الخليقة أصنع الأوثان
من أعلى هوىً
وأذوب في عشقي لها....
....
أأنا البدائيُّ الوحيدُ
لأعبدَ الأصنامَ في كلّ العصورْ؟
...
هي فرصة أخرى لنا...
فلنتّفقْ في البدءِ أنك تعشقينَ
وأنك امرأة تميل إلى هوايَ
كَبَت لتبدأ من جديد
حين فاتحت المدينة بالهروب
من الجحيم
تناوبت ماءً لتغرق في لغات البحرِ
عاريةً كروح الناسك البوذيِّ
ألف حمامةٍ كانت تحلّق
في فضاءات تفلّيها من اللونِ
الرماديِّ
ومن غيمٍ تلوّثهُ الفضائحُ
رحتُ أبحث في زوايا الأرضِ
عن ظلٍّ لصحرائي
فكانت في حدود العمر دوحتها
ووارف سروها
في البرد كان لنارها وجهان
وجه البرد لي
يدعو حرائقها لتأكل من هشيري
أو لتعبث في سعيريَ
ظهرها للريح
أغواها المدى البّراق بالرغباتِ
فانحازت لطيرِ الوقتِ
يحملها إلى زمنٍ وأمكنةٍ
لتنقذ طفلةً شبّت ملفّعةً
بزرقاء اليمامةِ
دونها الأعماقُ والأبعادُ
والشجر المخاتل من بعيد
....
وكَبَتْ لتبدأ من جديدٍ
....
كان يوم الأمس حين الغوطة
اخضّرت على خطواتها
-من بعد قحطٍ - يوم عيدْ
لأعود طفلاً رحت أبحث
في زوايا العيدِ عن أرجوحةٍ ودمى
عن طفلة شقراء تطلق في سماء الروحِ
طياراتها الورقّية البيضاء
عن أمواج بسمتها الحزينة
وهي تضرب في صخور القلبْ
عن كلّ ما رسمت أناملها
من الأشكال في الشجر العتيقْ
عن كلّ ما كتبت بأنوار المساء
من الكلام الصعبِ والأسماءْ
....
دارت بها الأيام دورتها الأخيرة
فاصطفت منفى ترتب ما تساقط
فيه من دفءٍ مضى
أو من أشعّة شمسها الصفراء
أو مما تبقى من بصيصٍ
في مجامرها
لتدفع عن ترهلّها الصقيعْ
كلّ الحقول توافدت
لتعيدها للورد والاشجار
وترى اختزال السرو في جسدٍ
ليجلس فوق عرش الحبْ
تفتح باب جنتها
وتوقظ عشبها
وتُسيل في أنهارها عسلاً
وتردّ للتفاّح سطوته
وتمنح ما يفيض من الخمور
لتربةٍ وشجرْ
قمر على يدها يعاتبها
ويكسر ما يظنه محض وهمٍ
إذْ تراخت حين قبلها الغياب
وفكّ زرّ قميصها
ليغيب في الأغصان
ويرى جموح النار تحت ثيابها
ويرى انشطار الشمس
في نهدين
تهرب من يديهِ
وما رأت نوراً تعذبّه الفراشة
وهي تغرق في اللهيبِ
وفي الحريقِ
وفي الرمادْ
....
يا رب كيف خلقتها وجعلت ما بين الحمام
وبين كفّي طلقةً
ويداً لتطلقها
إذا طار الحمام إلىَّ
أو لوّحتُ كفّي
للحمامْ؟
يا ربّ كيف جعلتها صوتاً أجلجل في صداهْ
أفقاً أراوح في مداهْ
طيفاً أراهُ ولا أرهْ
يا ربّ فاضت فوق طاقة ضفتيّ
تكاثرت كالموج
صارت كلّ دوّاماتها
في بحريَ الأزرقْ
وجعلتها من عاصفٍ
لتهبّ كي أغرقْ
وبروقيَ الأولى لها مطر
لأحرث بالأصابع حقلها المهجور
أشتله بما في القلب من نارٍ وأزهارِ...
غابت عن الصفصافِ
ما صفصافة إلاّ بكَتْ
ومشت على طول الضفاف
بجذعها العاري
تلملم دمعها والذكرياتْ
....
هي ما نأت لتعودْ
ذابت بلا شرقٍ
بلا مطلقْ
....
ما سافرت للغرب ألاّ أنّها
ذهبت لتلقي من مآربها أربْ
ذهبت لتلقي ما تكسّر من مراياها
على طول الطريقِ
بلا سببْ
والشرق خلف جراحها
قلقَّ، ووجه راعف، وتعب
صرر ونفط سائح ، وذهبْ
في ظلّهِ الممتدّ من تنّينهِ الأقصى،
لآخر شعلة في الريحِ
يرفعها العربْ.....
**
دمشق -أيار-1994