خماسيات تكوين آخر
أيُّ قصرٍ حملتْ أحجارهُ الأنهارُ
تبنيهِ أكفٌّ ويوشيهِ ذهبْ!
ورشةٌ من تربةٍ تحفظهُ،
آلهةٌ من حجرٍ أو من خشبْ..
طلعتْ نجمتهُ في ليل آرامَ،
وأغوتْ كل فتيانِ العربْ!
أيُّ قصرِ كانت الجنُّ على شرفتهِ،
والجندُ فوقَ السورِ كالمعدنِ يسعونَ،
وكانت عرباتٌ الشرقِ تجري بقرابينَ،
وتصحو أضحياتٌ بين جفناتِ العنبْ!
وكأنَّ الشرقَ روحٌ من هواءٍ أو لهبْ!
2- تشكيل آخر
كانتِ الآلهةُ الأولى التي تأوي إليها سبعةُ الأنهارِ
تغفو في سماءِ المدنِ السبعِ
وتصفو في بحارٍ سبعةٍ...
كانتْ عيونٌ ووجوهٌ وفروجٌ وثديّْ!ّ
ثم كانت رحمٌ طيبةٌ تحملُ بالطفلِ المعافى والقويّْ..
كانتِ الأنثى التي تنمو مع التربةِ روحاً تتجلى،
فإذا ما انغلقت أرضٌ عليها وعليّْ
يتلقاني فضاءٌ نبويّْ..
فلماذا أُغلبُ الآنَ وحيداً؟
ما الذي يطمسُ وجهي العربيّْ؟
3- نقش
هو ذا الكائنُ! من هجرتهِ عادَ،
استوى حراً.. نما ملتهبا..
دونته أرضُ آرام هوى أو حكمةً أو لعبا..
وهوتْ أعضاؤهُ.. ثم خبا!
وتحولنا معاً نوراً وناراً ورماداً وترابا..
وتحولنا فصولاً ونقوشاً..
وانتهينا رقماً أوكتبا!
وأنا أسندهُ، يسندني محترقاً، منطفئاً، مضطربا..
4- نقش آخر
كانَ ماءٌ.. كانت الشمسُ..
وكانَ الطينُ يغلي، ويعاني!
ذكرٌ، أنثى، هنا يمتزجانِ
جبلا في برهةٍ أجتْ بعطرٍ وبخورٍ ولبانِ..
وإذا ما اتصلا.. وانفصلا.. يتحدانِ
وردةً كاملةً ملءَ المكانِ!
5- وريث
حجرٌ تتجهُ الروحُ إليهِ، ينتمي خلقٌ كثيرٌ..
وإلى الخلقِ انتميتْ!
تشرقُ الشمسُ عليهِ،
وكأنَّ الميتَ حيٌّ، أو كأنَّ الحيَّ ميتْ!
حجرٌ جسمٌ، وجسمٌ هو بيتْ
يهدمُ الغائبُ والحاضرُ فيهِ مابنيتْ..
وأنا دونتهُ في ورقِ الحلمِ،
وبالحلمِ اكتفيتْ!
6- وريث آخر
ليكنْ للوارثِ الضائعِ إقليمٌ، سلالاتٌ، عروشٌ،
وجماهيرُ من القرمز، ألقابٌ وسلطانٌ وقوهْ!
ولتكنْ مائدةٌ تسخو على الجوعى،
دراويشُ من القشِ، تراتيلُ دخانٍ وأناشيدُ أبوهْ..
هذه أمكنةٌ من زخرفٍ، سالتْ بثروهْ
تنجدُ العابدَ في حربِ عدوٍ، لم يجد فيها عدوَّهْ!
وليكن للخمرِ أعراسٌ،
فبعد السكرِ صحوهْ!
7- تاريخ آخر
. وأخيراً كان تاريخٌ حديثٌ وصناعاتٌ، زراعاتٌ وتجّارٌ،
ومأوى لسلاحِ الحاميهْ!
ثم كانت مدنٌ من معدنٍ، أضرحةٌ من سنبلاتٍ،
وتلاميدُ من الحبرِ، بيوتٌ وسجونٌ وقبابٌ داميهْ..
ثم كانت حيواناتٌ ولودٌ وقرونٌ وجلودٌ
ثم كانت سلطةٌ من رخوياتٍ..
وكانت كلّ دنياً فانيهْ
وتجلى بطلٌ في طاغيهْ!
8- آخر التاريخ
عالمٌ يولدُ في صبح وكالاتٍ،
ويحبو في ليالي شركاتٍ،
ثم يخطو برقى مؤتمراتٍ وملاعبْ!
عالمٌ تقبرُ فيهِ كائناتٌ وكواكبْ!
تنعمُ الأحلافُ والأحزابُ فيهِ،
لم يضقْ يوماً بمغلوبٍ وغالبْ..
وهو يأوي في حقولٍ من نفاياتٍ ومثوى لتجاربْ!
لمَ لا يلهو إذاً،
ثم يحاربْ!
9- شعر آخر
أنظرِ الآن إلى الشعر الذي لا يُمتلك
كان منه قمرٌ، ظلٌّ، ندى..
قيثارةٌ من حطبٍ، أرضٌ من العشاقِ،
أنثى من بناتِ الجنِّ، ورشاتٌ من الحلمِ.. إلخ
والشعرُ، كالسحرِ، ملكْ!
فلكٌ يولدُ فيهِ من فلكْ!
غامضاً أو واضحاً يأتيكَ. وهو الآن لكْ!
فابتسم، وأفرح بهِ،
وأضحك بما تحملهُ إذ حملكْ!
10- جسم آخر
للتعري برهةٌ مبتكرهْ!
تغلبُ الساحرَ والمسحورَ والسحرَ، وتنفي السحرهْ
سقطتْ أقنعةٌ فيها،
اهتدى اللحمُ إلى سر سريرٍ غامضٍ أو موحشٍ،
ثم أضاءتْ عرباتٌ، عتباتٌ، وخيولٌ خطرهْ!
وانتمى اثنانِ إلى الواحدِ!
حنتْ، ثم أنت كوةٌ أو قنطرهْ!
واحتمى الجسمُ بجسمٍ.. آهِ، ماأرحبهُ! ما أكثرهْ!
11- آخر الشّعر
إنه العالمُ حلوٌ لحبيبي!
كوكبٌ، ماءٌ، خروفٌ، طفلةٌ، طفلٌ، رغيفٌ..
وسماءٌ ويمامٌ وشعاعٌ وغمامٌ وندى جسمٍ ووردهْ!
والفتى يلقي برأسٍ، ضاقَ بالدنيا على زهرِ مخدهْ
إذ رأى فيما يرى النائمُ، أوراقَ نفاياتٍ
توشّي عالماً ينتجُ ضدهْ!
كيف لا يهجرهُ النومٌ، ولا يجزعُ إذ غابَ حبيبٌ، وسلاهُ،
وسلا شعراً وقرباً ومودهْ..
ورأى الشعر الذي يُغلبُ وحدهْ!
12- ماء آخر
سلطةُ الروح تجلتْ قبل قداسِ الجسدْ
واهتدت أنثى إلى الماءِ، وكانت من زبدْ
واهتدى العرّافُ والخزّافُ للطينِ..
وكانتْ عتباتٌ لجنينٍِ ووليدٍ وفطيمٍ وولد!ّ
أهو الماء أحدْ!
كيف لا تطلع شمسُ الشعر والخلق،
إذا ضاقَ هواءٌ، وفسد!
13- نثر آخر
يهجمُ النثرُ على جمهرةٍ مضطربهْ!
هذه خطوتهُ واسعةٌ، قامتهُ منتصبهْ!
وعلى أرضٍ من الأسرارِ يختالُ فتى،
ثم يشدُّ الخيلَ والليلَ إلى مركبةٍ أو عربهْ!
يهجمُ الآنَ على الينبوعِ والوردةِ والزائر والبابِ ...الخ
ثم يسدّ العتبهْ!
يخلطُ الإيقاعَ بالتشكيلِ والزخرفَ بالمتعةِ،
والمتعةَ بالثرثرةِ، البطلانَ بالحقِّ، الهوى بالغلبهْ!
14- آخر التشكيل
إنها السوقُ إذاً... مدخلنا للورقاتِ الساحرهْ
لشعوبٍ هُشمت غائبةً أو حاضرهْ!
إنها اللعبةُ!
ولتنقلبِ الأدوارُ، ولتختلطِ الأدوارُ..
فاللعبةُ، تبقى بيننا زائفةً: رابحةً أو خاسرهْ!
ومن النقطةِ خطٌّ، ومن القوسِ شعاعٌ، وترٌ، قنطرةٌ، أو دائرهْ..
تزحفُ الأشكالُ بالأشكالِ والأوراقُ بالأوراقِ والأدوارُ بالأدوارِ.
تمحو كلَّ شيءٍ.. ثم تلغي الذاكرهْ!
15- تكوين آخر
خرّبَ الطائر عشهْ!
ومن الحبة ترجى.. كان للزوجينِ قشهْ!
كلُّ فعلٍ يتلاشى.. كلُّ دهشهْ..
كان ميتٌ يدفنُ الأمواتَ، إذ غادر نعشهْ!
فمتى يبتدىءُ الخلقُ برعشهْ؟