أفول البياض
في ليلٍ يستعرُ الآتي في غربته
ويموجُ القلبُ غريقاً في دمع السكراتِ..
أجرُّ الخطوَ إليكَ،
وأنتَ الباقي في وَضَحِ الأشياء تعومْ
فأراكَ هناكَ تغيبُ على الكرسّي وحيداً..
في مقهى يتناثرُ عند الضفّةِ والأصحاب..
أسيراً دونَ وثاقٍ
منحطمَ الكلماتِ على طرفِ الشكوى،
والريح تحومْ
تتساءلُ مستعراً:
" كيف القبلاتُ تصيرُ شتاءً..
يبحثُ عن كاسٍ وكرومْ؟
كيفَ الآتونَ من الريحِ افترقوا في أرض جدودي؟
وانقسمَ التيّارُ إلى ضدّينِ،
وهاجرَ أعرابٌ في الرومْ؟ "
والنبعُ خريرٌ منقطعٌ ،
والماء سمومْ
وأجيئُكَ..
أسألُ مغفرةً..
اتوسّلُ بالآتي،
وبآخرِ رفّ منُ زمَرِ الأصحابِ
وحرِّ الأشياءِ الأولى..
أن يهطلَ نهرٌ في الكأس المترامي في أقصى وجعي..
أن يطلعَ وجهٌ من زَبًدٍ ويقومْ
من قبرٍ يوشكُ أن يمتدّ إلى وطنٍ..
في فوضى الوقتِ يسافرُ،
والقلبُ نجومْ
اتوسّلُ بالقمر المكبوتِ وشطآن الفوضى..
أن تبرأَ وردتيَ الصغرى من حبٍّ يقتلها..
من ربٍّ يرسمها شوكاً،
وغماماً أسود..
حينَ يريدْ
هذا المترامي شرق دمائي..
فوقَ مسائي..
فوقَ المحترقِ المسموم من الروح الثكلى،
ولهاث البيدْ
وبكلّ المطعونينَ
وكلِّ المنبوذينِ
وكلّ الموبوئينَ،
ونسّاكِ الوطن المحفورِ على القمر المسطورِ على خصلاتِ الضوءِ
أوانَ العتمةِ..
إني مفترقٌ..
محترقٌ في هذي الساعةِ..
من هذا السفرِ المحفوف بأوجاعِ المنفى،
والروحُ قديدْ
ماذا في الريحِ،
وماذا في قطراتِ الصبحِ البارد..
ماذا فيَّ يدورُ ويتّسعُ المجرى؟
ماذا في الروح من الذكرى؟
وشفاهي أين؟،
وأين الكاهنُ؟..
إني مرتعدٌ في هذا المعبدِ..
أبكي علَّ دموعي تدخل في دَنَس الأشياء،
وعلَّ ضلوعي تشعلُ هذا العالمَ..
في الجهةِ الأخرى.
أشعلتُ شموعَ القلبِ
ورحتُ انادي في سكراتِ النهرِ على الأشلاءِ..
على الأشياءِ
فعلَّ خريفاً غادر ظلّي يعبرُ
علَّ رصيفاً من زمنِ العشّاقِ يبوحُ،
وعلّي في رَهَقِ الزفراتِ ألمُّ مساءً من زغبِ الماضي..
أو أترعُ خمراً مختلفاً..
من دنِّ دمائي
أستدني صلوات الليل اليائسِ..
من شفقِ الأمواتْ
والليلُ مُواتْ
في هذا السمتِ لتبتديء الظلماتُ العَدْوَ ورائي،
او أتوارى خلف الأعمدةِ المسحورة..
تحت السقفِ
وبين الجدرانِ الصدئاتْ
لكن عواءً في الأركانِ توزّعَ فيَّ..
تركتُ الرأسَ.
رحلتُ قليلاً كي يتوالى فيَّ هروبٌ آخرُ..
قبل خرابِ الظّل على الشرفاتْ
وأُلملمُ ظلّي في الطرقاتْ
وأعدُّالأصحابَ..
الضحكاتِ
وأمشي في وجعِ الأسماءِ إلى مأوايَ..
فقد آنَ الحزنُ،
وحان غروبُ الذاتْ
إنيّ أتوسلُ..
أذوي في فجواتِ دمائي
يحترقِ الآسُ..
الخطواتْ
والآتي..
لا يصلُ الآتي
في ظلّ حصاةْ
هل أبحثُ عن رَغَدٍ،
والبحر أمامي يصرخ في الجنباتْ؟
أم أبحثُ عن جسدٍ..
سرقتهُ الريحُ إلى أقصى الفلواتْ؟
والعالمُ نامَ..
فهل تستيقظُ فيَّ شطوطُ الأمس،
وأجمعُ باقةَ لونٍ منطفئ الزفراتْ؟
والعالمُ غامَ..
فكيف يغيمُ النهرُ قُبيل ذراعي..؟
آهٍ يا خَدَرَ الموجاتْ
العالمُ نامَ..
سأدخلُ صومعتي كي لا تترصدني الشبهاتْ
وسأغلقُ هذا القلبَ على الأشياءِ..
فقد أصحو والعالمُ ماتْ
منذُ القطراتِ الأولى..
من دمعِ الحسراتْ
منذُ الألفِ الثاني قبلَ الضحكاتْ
وأنينِ النرجسِ والخصلاتْ
ورحيل القافلة الأولى..
في ذاكرةِ الشرفاتْ
حمص - 7 / 1994