سِقْطُ الرؤى
أهطولُ حزنٍ عندَ بارقة الصباحِ..
أم الخشوعُ يورّدُ الوجهَ المعتّقَ بالبكاءْ؟
في شرفتينِ تنقطانِ العمرَ من شفةِ اللهاثِ،
وتشربان تنهّد الأطيافِ..
من شفةِ المساءْ
خيرٌ صباحكما،
وطابَ تنهدّي..
يا دمعتينِ ارتاحتا في العينِ..
إنّي مُتعبٌ..
أتلمَّسُ الأشياءَ مذعوراً..
فيرتجفُ الشتاءْ
وأضمُّ بعضي بينَ عاصفتينِ من خوفٍ ولقيا..
لا تريدان افتراقي،
والمساءُ على شفا وهمِ اللقاءْ
إنّي ألوبُ..
دوائري لا تستميلُ مع الهبوبِ،
وصحوتي خصلٌ مدلاّةُ الشحوبِ..
تُفَتِتُ الذكرى على جهة البقاءْ
هذا صباحٌ أجردٌ يلهو بذاكرةِ المحبّ،
ولستُ معترفاً تماماً بالسقوطِ،
وأدّعي أن الرفوفَ تحيطني بطيوفها..
كي لا أغيمَ،
ولا يجرجرني الشرابُ إلى الشرابِ
ويبتدي فيَّ الحداءْ
هذا صباحٌ أسودُ القطراتِ..
لا نملٌ يقطّعني فيصحو الميتونَ على احتراقِ تلهّفي..
لا نحلةٌ تلجُ السكونَ،
وبَوحُ هاءْ
إنَّ المسافةَ ضفّتانِ ويسقطُ النهرُ القديمُ،
ودمعتانِ وينتهي فينا الغناءْ
لكنني المسكونُ بالفوضى وباللاشيء..
كنتُ شربتُ خابيةَ القنوطِ وما أفاقتْ نْهدةٌ
وأراكَ منحطماً عليَّ تُحيطني بفضائكَ الشوكيِّ..
أدخلُ في دوائركَ العصيّةِ..
لم أَجِدْكَ ولم تجدني أيّها الباقي من الجدوى سؤالاً..
في عناقيدِ السماءْ
هل ظلمةٌ مرَّتْ على دمنا؟..
أوانَ تقطعّتْ فينا خيوط الصمتِ،
والأشياءُ باهتةٌ على خطِّ الأفولِ،
ونقطةٌ زرقاءُ حائرةٌ على أفقِ البياضِ..
تدورُ في رحم المكانِ..
فلا يُضاءْ
وأراكَ منقسماً عليَّ تزيدني حلكاً..
فيخبو الأخضرُ المحزونُ في فلكِ اليباس،
وأنتَ لا تذكيهِ..
لا تبكيهِ
إمّا يطلعُ القمرُ الشفيفُ من الشرابِ..
على الخطوطِ الداكنْه
وأنا حمامُ الوقتِ يصدحُ في الرفوف الساكنهْ
وأراكَ تبحثُ في الفراغِ عن الذينَ ضممتهُمْ شطرينِ منغلقينِ..
يحتارُ الخرابُ بأيّ إسمٍ يبتديهمْ،
والرؤى بكْرٌ وعيناكَ انتهاءْ
هاتانِ قنطرتانِ من لوزِ المساءِ،
وذاكَ وجهٌ يابسُ القسماتِ ينأى بالفتونِ،
وهذهِ أشلاءُ خابيةٍ تُعتّقُ حزننا حتّى النبيذِ،
ودفقةِ البلّور من شفةِ الدعاءْ
وأنا أودعُ وجهتين من الشرودِ،
وأختبي في الفكرتينِ:
دمي،
وهدأة وجهها النبويّ..
يا وجع النداءْ
يا زرقةً لا تنتهي،
ومسافةً في المستحيل من البلادِ..
تُمَزِقُ الرؤيَا..
فنكسَرُ مرّتين على تخوم الاشتهاءْ
زمنٌ تكسّرَ بين بارقتينِ من عسلٍ،
وخمرٍ يانعٍ..
ثم استراحَ على الورقْ
في دفقتينِ من النعاسِ،
وحرقتينِ من الألقْ
يا خالقي..
يمّمتُ وجهي للقلوعِ فلم يَعُدْ وجهي،
وجفني ما احترقْ
وشربتُ داليةَ القنوطِ فلم يَبُحْ كأسي بشيءٍ من مراثينا القديمةِ
والشجونْ
يا خالقي..
هربَ الصحابُ إليَّ حينَ شربتُهُمْ..
دمعاً وقافيةً حرونْ
واستوثقوا بدمي زمانَ السنديانِ..
فما توزّعَ نرجسٌ عندَ الجدارِ،
ولا تفتّح زيزفونْ
حتى استراحَ الوقتُ في جهةِ الخزامى..
ساعة الوجعِ الخؤون
فإذا البلادُ سوى البلادِ،
ونصفُهُمْ في الكأس يغرقُ،
والسدى ظلٌّ لخيلهُمُ الجريحة،
واللظى نصفانِ في هذا السكون
واللجتان تراودان الأقحوانَ على الهطولِ..
فلا أُودّعُ في الطلولِ مسافةَ الأصحابِ،
أو وجعَ المطرْ
كي أستعيدَ قطافهمْ
فيما تبقّى من أثرْ
وأسيرُ عكسَ الوقتِ..
أدخلُ في وحولِ الخوفِ.
ألهو بالكلامِ المرتخي،
والغارباتِ من الصورْ
زمنٌ تحدَّبَ وانكسرْ
وأنا الوصولُ،
وليسَ من جسرٍ إلى جهتي يلملمهمْ،
وينقطعُ الخرابْ
وأنا الحصولُ،
وآخرُ الصيفِ الكسيرِ يلملمُ الأيّامَ..
في الدفقِ المذابْ
عشرونَ صمتاً،
والسرابُ هو السرابْ
والموتُ ليسَ الموتَ،
والساعاتُ عاثرةُ الخطى
فيما تبقّى من شرابْ
وحدي أموتُ دقيقةً وأعودُ للشفقِ الرخيمْ
والجرحُ مندملٌ كأنَّ مساءَنا عِنَبٌ،
وحانتنا سديمْ
وكأنَّ حُرْقتنا تجدّفُ في الدماءِ،
وتشربُ وكأننا الوجع الرجيم
وكأننا قصبٌ على طرفِ الخسوفِ يئنُّ..
في المجرى الأخيرِ،
وحارقِ الشوقِ القديمْ
والعاشقونَ الطيبّونَ تحدّروا..
فأفاقَ نجمٌ صار غيماً..
أمطرتْ زفراتهُ شوقَ الرمالِ
تنهّدتْ كلُّ الظلالِ..
فمرَّ صيفٌ..
مرَّ لونٌ ..
مرَّ دَهْرٌ فوقَ شرفتنا الصغيرةِ..
والورى يتقاسمونَ الخوفَ والذكرى،
وأصرخُ..
علَّ ينتبه المكانُ،
وشقوتي فوقَ الشراعِ،
وآهِ يا خَدَري الرغيدَ إذا ترامى الظلُّ في كأسي،
ومدَّ الحزنُ ساقيةً إليَّ فملتُ غرباً..
في مرامي لجةٍ سكرى..
على جهةِ الوداعْ
وارتاحَ قوسُ الصمتِ فوقَ تدفّقِ المنفى،
وأسئلة الشراعْ
وتماوجوا.. حتى الهشيمِ ونارهمْ لا تُرتجى،
والليلُ منسدلُ اليقينْ
يا خالقي..
نزفَ السقوطُ دماءَهُ،
وتقدّمتْ فينا الحرائقُ والسنينْ
وأنا أبعثرُ ما استطعتُ الخوفَ..
علّي في التشكّلِ أرتقي جمر الخصوبةِ والحنينْ
فمتى ينامُ الطيبّونَ..
متى ينامُ الليلُ عندَ لها ثهمْ
والنارُ تخبو في الجبينْ؟
والصبحُ يطلعُ في الوريدِ،
وفي شغافِ العاشقينْ؟
هل كانَ يُمكنُ أن نموتَ بغير ما متنا بهِ..؟
هل كان يمكنُ أن نفصّلَ وقتنا لغةً وذاكرةً،
ولا تصحوا الوساوسُ كي تلامسَ قبّةَ الروحِ الكسيرةَ
أو يجلجلنا المكانْ؟
يا صاحبي..
أينَ الزجاجةُ إنني متناثرٌ جهةً،
ومنعقدُ اللسانْ ؟
فمتى سترتعش الحروفُ،
ووجهها جُمَلٌ من النجوى،
وأرصفتي دخانْ؟
يا صاحبي.
والقيظُ في جوفي يُرَمّدُ ما تبقّى من أساورَ..
في القطوفِ الوارفهْ
ودمي على دمهِ يعومُ،
وبيننا تلكَ الخطوطُ الراجفهْ
وتحدّني حزناً وعاصفةً..
شبابيكُ البلادِ الخائفهْ
تلك التي هربتْ إليَّ..
فما التقيتُ بضوئها جهةً لأشواقِ الصباحْ
إنّي أعوذُ بوقتها والخوفُ أروقتي،
وأطلبُ رشفتينِ وضمّةً من دفئها،
وخزامتينِ ودفقةً من سالفِ الألقِ المذابِ،
وشرفتينِ بلا صُدَاحْ
وحمامتين تنقّرانِ الحبّ من شفةِ الجراحْ
إنّي أعوذُ بصمتها..
تلك المدينةُ حينَ تثقبني وأعشقُها..
وترجمني فأذرفها..
متى حانَ الهروبُ المستحيلْ
إنّي أعوذُ بحزنها،
وأعوذُ باللقيا إذا هامَ المحبُّ بها،
وأنهكهُ الجوى،
وهواجسُ التذكارِ، والقمرُ النحيلْ
وأرى دمي أرجوحةَ الموتِ العقيمِ،
وموجةً بين التمنّعِ والصهيلْ
أمضي إلى اللاشيء..
أو يأتي إليَّ أوانَ ترحلُ غيمةٌ بدمي..
ويشربني الرحيلْ
يا خالقي..
يا خالقي وجعي طويلْ
والروحُ عائمةٌ على سطحِ الشرابِ،
ولستُ منهزماً تماماً كي أصدّقَ ما اراهُ،
ولستُ منتظراً تفتّحَ موجةٍ في الكأسِ..
ترسمني على الألقِ القليلْ
إنّي أصدّقُ وجهها،
والعاشقين،
ووجهةً تمتدُّ من روحي إلى الوجعِ الظليلْ
وبقيّةَ الباقينَ من وطنِ النسورِ،
وموجةَ الصيفِ الجميلْ
لم يبقَ منهمْ غيرَ نزفِ السنديانِ،
وشائكِ الوقتِ القتيلْ
إنّي أعوذُ بظلهّمْ..
حين المرافيءُ لا تلوحُ،
ولا يعرّشُ سوسنٌ في الروحِ
ساعةَ يغربونَ إلى الهباءْ
وترومهمْ عيني،
فيشتعلُ الهبوبُ بوردتي الأولى..
فأمشي في الأمامِ إلى الوراءْ
وتبوحهمْ شفتي فيرتفعُ الشحوبُ..
ولا أرى وطناً،
وذاكرةً تخرّبَ شكلها،
وتمزّقَ الوجهُ الخضيلُ..
فما الوعودُ،
وما الحدودُ،
وما رؤايْ؟
إلاّ الحرائقُ في اليبابِ،
وشقوةُ الدربِ المحدَّدِ في خطايْ
وأعدُّ أحبابي..
فلا أُحصي سوايْ
ذهبوا..
فلا تجدينَ منهم رفّةً..
يا دفأهمْ بينَ الضلوعِ ورجفةِ المنفى،
وأطواقِ الغيابْ
ناموا.. فمّدي ظلّكِ الزاهي إلى رئتي،
وأشرعة الشرابْ
أنتَ الأخيرةُ في مسائي السرمديّ،
ودفقةَ الأطيابِ في لججِِ الرِغابْ
والبعضُ منكِ تلعثمٌ،
وجميعكِ استعصى عليَّ..
فما ألوّنُ زرقةً في المستحيلِ من السرابْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
أمطَرَنا الحنينُ بدفقهِ،
والخصب يرجمنا،
وساقيةُ الضياءْ
والكلُّ يدخلُ في العقيمِ من النهارِ،
ولا تميلُ الشمسُ غرباً..
حين يحرقنا الشروقُ..
فنمتطي ظلاًّ هباءْ
ونمرُّ بينَ الخمرِ والسيفِ الجليلِ..
فلا نشاءُ لقاءَنا..
حتى يشاءْ
والظلُّ مرتفعٌ،
وقافلةٌ تمزَّقُ في العراءْ
والليلُ منطفيءُ العواءْ
قالوا: " تمنّعَ وقتنا..
عقمَ النهارُ..
فلا البذورُ
ولا النذورُ
ولا الرجاءْ
تنهلُّ من جرحٍ تمزَّقَ مرّتينِ،
وغامَ ثالثةً..
فماتَ بظلّهِ الدوريُّ،
واحترقَ الهواءْ "
قالوا: " ويقتلنا الأحبَّةُ في ضفافِ خميلةٍ سكرى..
ندورُ..
ندورُ في طمي المسيلِ ويغربُ الآتي بعيداً..
كي نراهُ،
ولا نراهْ "
لكنَّ بعضاً من رؤاهْ
تنسابُ في دمنا عناقيدَ اشتعالٍ..
تستميلُ ملامحَ الآتينَ..
ترسمهمْ على الشفقِ النضيرْ
ويلّفنا تذكارهمْ فيصيبهمْ وجعُ الدماءِ،
ولا تورّقُ فكرةٌ في الطيبينِ،
ولا تزهّرُ كأسنا عنباً وشكوى..
آخرَ الوجعِ المريرْ
حتّى الحدائقُ لا تصفّقُ
والفصاحةُ لا تطيرْ
ونمرُّ في الأفقِ الرمادِ..
دقائقَ الوطنِ الأخيرْ
فنفيضُ نجوى وافتتاناً..
في ارتعاشاتِ الحريرْ..
إنّي اعوذُ برشفةٍ..
هي آخرُ الوطنِ المصفّى في فراغِ الرأسِ..
آخر ما يظللّني إذا عصفَ الدويّْ
ومتى تقدَّمَ في المشيبِ الكأسُ،
وانتبهَ الشرودُ لما لَدَيّْ
إنّي أعوذُ بهدأةٍ لا تُرتجى..
زمنَ الدموعْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
وحدي في الهشيمِ أعدُّ أشياءَ الصباحِ..
فما أرى النهرَ الولوعَ،
وليسَ للظلّ اكتمالُ أو طلوعْ
لا شيءَ يطلعُ في البياضِ لأبتديهِ،
وننتمي جهراً لوقتٍ واضحِ القسماتِ..
أوسرّاً لصمتٍ غامضٍ..
وقتَ الولوعْ
إنّي على خشبِ النزوعْ
أهوي إلى جسدٍ تفرّقَ بعضهُ ضديّنِ،
والباقي تضاءل في الضلوعْ
صبيّ المساءْ بكأسنا،
و لنبتدىء هذا الخشوعْ
يا هدأةً تنسابُ في شفقِ الخريفِ..
إذا الخريفُ يريدني حجرَ الذهولِ،
ونقطةً حيرى على ماءِ الأفولِ،
وفكرةً غرقى..
كأسئلةِ الشراب المُختصرْ
هذا دمي..
هذا اليبابُ،
وهذه أرجوحتي،
ولهاثَ أوردةِ الحجرْ
هذا مساءُ الطيّبينَ،
وشاهدٌ هذا الحصى..
هذا الخواءْ
أنَّ الشغافَ سخيّةٌ
والروحُ بالغةُ الشقاءْ
وغداً ستلتهم الحروفُ لساننا،
ويموتُ بعضُ الميتّينَ بمستهلّ دمائهمْ،
والطيبّون يهللونّ:
" متى اللقاءُ..
متى اللقاءُ...
متى اللقاءُ؟ "
حزيران 1994
أهطولُ حزنٍ عندَ بارقة الصباحِ..
أم الخشوعُ يورّدُ الوجهَ المعتّقَ بالبكاءْ؟
في شرفتينِ تنقطانِ العمرَ من شفةِ اللهاثِ،
وتشربان تنهّد الأطيافِ..
من شفةِ المساءْ
خيرٌ صباحكما،
وطابَ تنهدّي..
يا دمعتينِ ارتاحتا في العينِ..
إنّي مُتعبٌ..
أتلمَّسُ الأشياءَ مذعوراً..
فيرتجفُ الشتاءْ
وأضمُّ بعضي بينَ عاصفتينِ من خوفٍ ولقيا..
لا تريدان افتراقي،
والمساءُ على شفا وهمِ اللقاءْ
إنّي ألوبُ..
دوائري لا تستميلُ مع الهبوبِ،
وصحوتي خصلٌ مدلاّةُ الشحوبِ..
تُفَتِتُ الذكرى على جهة البقاءْ
هذا صباحٌ أجردٌ يلهو بذاكرةِ المحبّ،
ولستُ معترفاً تماماً بالسقوطِ،
وأدّعي أن الرفوفَ تحيطني بطيوفها..
كي لا أغيمَ،
ولا يجرجرني الشرابُ إلى الشرابِ
ويبتدي فيَّ الحداءْ
هذا صباحٌ أسودُ القطراتِ..
لا نملٌ يقطّعني فيصحو الميتونَ على احتراقِ تلهّفي..
لا نحلةٌ تلجُ السكونَ،
وبَوحُ هاءْ
إنَّ المسافةَ ضفّتانِ ويسقطُ النهرُ القديمُ،
ودمعتانِ وينتهي فينا الغناءْ
لكنني المسكونُ بالفوضى وباللاشيء..
كنتُ شربتُ خابيةَ القنوطِ وما أفاقتْ نْهدةٌ
وأراكَ منحطماً عليَّ تُحيطني بفضائكَ الشوكيِّ..
أدخلُ في دوائركَ العصيّةِ..
لم أَجِدْكَ ولم تجدني أيّها الباقي من الجدوى سؤالاً..
في عناقيدِ السماءْ
هل ظلمةٌ مرَّتْ على دمنا؟..
أوانَ تقطعّتْ فينا خيوط الصمتِ،
والأشياءُ باهتةٌ على خطِّ الأفولِ،
ونقطةٌ زرقاءُ حائرةٌ على أفقِ البياضِ..
تدورُ في رحم المكانِ..
فلا يُضاءْ
وأراكَ منقسماً عليَّ تزيدني حلكاً..
فيخبو الأخضرُ المحزونُ في فلكِ اليباس،
وأنتَ لا تذكيهِ..
لا تبكيهِ
إمّا يطلعُ القمرُ الشفيفُ من الشرابِ..
على الخطوطِ الداكنْه
وأنا حمامُ الوقتِ يصدحُ في الرفوف الساكنهْ
وأراكَ تبحثُ في الفراغِ عن الذينَ ضممتهُمْ شطرينِ منغلقينِ..
يحتارُ الخرابُ بأيّ إسمٍ يبتديهمْ،
والرؤى بكْرٌ وعيناكَ انتهاءْ
هاتانِ قنطرتانِ من لوزِ المساءِ،
وذاكَ وجهٌ يابسُ القسماتِ ينأى بالفتونِ،
وهذهِ أشلاءُ خابيةٍ تُعتّقُ حزننا حتّى النبيذِ،
ودفقةِ البلّور من شفةِ الدعاءْ
وأنا أودعُ وجهتين من الشرودِ،
وأختبي في الفكرتينِ:
دمي،
وهدأة وجهها النبويّ..
يا وجع النداءْ
يا زرقةً لا تنتهي،
ومسافةً في المستحيل من البلادِ..
تُمَزِقُ الرؤيَا..
فنكسَرُ مرّتين على تخوم الاشتهاءْ
زمنٌ تكسّرَ بين بارقتينِ من عسلٍ،
وخمرٍ يانعٍ..
ثم استراحَ على الورقْ
في دفقتينِ من النعاسِ،
وحرقتينِ من الألقْ
يا خالقي..
يمّمتُ وجهي للقلوعِ فلم يَعُدْ وجهي،
وجفني ما احترقْ
وشربتُ داليةَ القنوطِ فلم يَبُحْ كأسي بشيءٍ من مراثينا القديمةِ
والشجونْ
يا خالقي..
هربَ الصحابُ إليَّ حينَ شربتُهُمْ..
دمعاً وقافيةً حرونْ
واستوثقوا بدمي زمانَ السنديانِ..
فما توزّعَ نرجسٌ عندَ الجدارِ،
ولا تفتّح زيزفونْ
حتى استراحَ الوقتُ في جهةِ الخزامى..
ساعة الوجعِ الخؤون
فإذا البلادُ سوى البلادِ،
ونصفُهُمْ في الكأس يغرقُ،
والسدى ظلٌّ لخيلهُمُ الجريحة،
واللظى نصفانِ في هذا السكون
واللجتان تراودان الأقحوانَ على الهطولِ..
فلا أُودّعُ في الطلولِ مسافةَ الأصحابِ،
أو وجعَ المطرْ
كي أستعيدَ قطافهمْ
فيما تبقّى من أثرْ
وأسيرُ عكسَ الوقتِ..
أدخلُ في وحولِ الخوفِ.
ألهو بالكلامِ المرتخي،
والغارباتِ من الصورْ
زمنٌ تحدَّبَ وانكسرْ
وأنا الوصولُ،
وليسَ من جسرٍ إلى جهتي يلملمهمْ،
وينقطعُ الخرابْ
وأنا الحصولُ،
وآخرُ الصيفِ الكسيرِ يلملمُ الأيّامَ..
في الدفقِ المذابْ
عشرونَ صمتاً،
والسرابُ هو السرابْ
والموتُ ليسَ الموتَ،
والساعاتُ عاثرةُ الخطى
فيما تبقّى من شرابْ
وحدي أموتُ دقيقةً وأعودُ للشفقِ الرخيمْ
والجرحُ مندملٌ كأنَّ مساءَنا عِنَبٌ،
وحانتنا سديمْ
وكأنَّ حُرْقتنا تجدّفُ في الدماءِ،
وتشربُ وكأننا الوجع الرجيم
وكأننا قصبٌ على طرفِ الخسوفِ يئنُّ..
في المجرى الأخيرِ،
وحارقِ الشوقِ القديمْ
والعاشقونَ الطيبّونَ تحدّروا..
فأفاقَ نجمٌ صار غيماً..
أمطرتْ زفراتهُ شوقَ الرمالِ
تنهّدتْ كلُّ الظلالِ..
فمرَّ صيفٌ..
مرَّ لونٌ ..
مرَّ دَهْرٌ فوقَ شرفتنا الصغيرةِ..
والورى يتقاسمونَ الخوفَ والذكرى،
وأصرخُ..
علَّ ينتبه المكانُ،
وشقوتي فوقَ الشراعِ،
وآهِ يا خَدَري الرغيدَ إذا ترامى الظلُّ في كأسي،
ومدَّ الحزنُ ساقيةً إليَّ فملتُ غرباً..
في مرامي لجةٍ سكرى..
على جهةِ الوداعْ
وارتاحَ قوسُ الصمتِ فوقَ تدفّقِ المنفى،
وأسئلة الشراعْ
وتماوجوا.. حتى الهشيمِ ونارهمْ لا تُرتجى،
والليلُ منسدلُ اليقينْ
يا خالقي..
نزفَ السقوطُ دماءَهُ،
وتقدّمتْ فينا الحرائقُ والسنينْ
وأنا أبعثرُ ما استطعتُ الخوفَ..
علّي في التشكّلِ أرتقي جمر الخصوبةِ والحنينْ
فمتى ينامُ الطيبّونَ..
متى ينامُ الليلُ عندَ لها ثهمْ
والنارُ تخبو في الجبينْ؟
والصبحُ يطلعُ في الوريدِ،
وفي شغافِ العاشقينْ؟
هل كانَ يُمكنُ أن نموتَ بغير ما متنا بهِ..؟
هل كان يمكنُ أن نفصّلَ وقتنا لغةً وذاكرةً،
ولا تصحوا الوساوسُ كي تلامسَ قبّةَ الروحِ الكسيرةَ
أو يجلجلنا المكانْ؟
يا صاحبي..
أينَ الزجاجةُ إنني متناثرٌ جهةً،
ومنعقدُ اللسانْ ؟
فمتى سترتعش الحروفُ،
ووجهها جُمَلٌ من النجوى،
وأرصفتي دخانْ؟
يا صاحبي.
والقيظُ في جوفي يُرَمّدُ ما تبقّى من أساورَ..
في القطوفِ الوارفهْ
ودمي على دمهِ يعومُ،
وبيننا تلكَ الخطوطُ الراجفهْ
وتحدّني حزناً وعاصفةً..
شبابيكُ البلادِ الخائفهْ
تلك التي هربتْ إليَّ..
فما التقيتُ بضوئها جهةً لأشواقِ الصباحْ
إنّي أعوذُ بوقتها والخوفُ أروقتي،
وأطلبُ رشفتينِ وضمّةً من دفئها،
وخزامتينِ ودفقةً من سالفِ الألقِ المذابِ،
وشرفتينِ بلا صُدَاحْ
وحمامتين تنقّرانِ الحبّ من شفةِ الجراحْ
إنّي أعوذُ بصمتها..
تلك المدينةُ حينَ تثقبني وأعشقُها..
وترجمني فأذرفها..
متى حانَ الهروبُ المستحيلْ
إنّي أعوذُ بحزنها،
وأعوذُ باللقيا إذا هامَ المحبُّ بها،
وأنهكهُ الجوى،
وهواجسُ التذكارِ، والقمرُ النحيلْ
وأرى دمي أرجوحةَ الموتِ العقيمِ،
وموجةً بين التمنّعِ والصهيلْ
أمضي إلى اللاشيء..
أو يأتي إليَّ أوانَ ترحلُ غيمةٌ بدمي..
ويشربني الرحيلْ
يا خالقي..
يا خالقي وجعي طويلْ
والروحُ عائمةٌ على سطحِ الشرابِ،
ولستُ منهزماً تماماً كي أصدّقَ ما اراهُ،
ولستُ منتظراً تفتّحَ موجةٍ في الكأسِ..
ترسمني على الألقِ القليلْ
إنّي أصدّقُ وجهها،
والعاشقين،
ووجهةً تمتدُّ من روحي إلى الوجعِ الظليلْ
وبقيّةَ الباقينَ من وطنِ النسورِ،
وموجةَ الصيفِ الجميلْ
لم يبقَ منهمْ غيرَ نزفِ السنديانِ،
وشائكِ الوقتِ القتيلْ
إنّي أعوذُ بظلهّمْ..
حين المرافيءُ لا تلوحُ،
ولا يعرّشُ سوسنٌ في الروحِ
ساعةَ يغربونَ إلى الهباءْ
وترومهمْ عيني،
فيشتعلُ الهبوبُ بوردتي الأولى..
فأمشي في الأمامِ إلى الوراءْ
وتبوحهمْ شفتي فيرتفعُ الشحوبُ..
ولا أرى وطناً،
وذاكرةً تخرّبَ شكلها،
وتمزّقَ الوجهُ الخضيلُ..
فما الوعودُ،
وما الحدودُ،
وما رؤايْ؟
إلاّ الحرائقُ في اليبابِ،
وشقوةُ الدربِ المحدَّدِ في خطايْ
وأعدُّ أحبابي..
فلا أُحصي سوايْ
ذهبوا..
فلا تجدينَ منهم رفّةً..
يا دفأهمْ بينَ الضلوعِ ورجفةِ المنفى،
وأطواقِ الغيابْ
ناموا.. فمّدي ظلّكِ الزاهي إلى رئتي،
وأشرعة الشرابْ
أنتَ الأخيرةُ في مسائي السرمديّ،
ودفقةَ الأطيابِ في لججِِ الرِغابْ
والبعضُ منكِ تلعثمٌ،
وجميعكِ استعصى عليَّ..
فما ألوّنُ زرقةً في المستحيلِ من السرابْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
أمطَرَنا الحنينُ بدفقهِ،
والخصب يرجمنا،
وساقيةُ الضياءْ
والكلُّ يدخلُ في العقيمِ من النهارِ،
ولا تميلُ الشمسُ غرباً..
حين يحرقنا الشروقُ..
فنمتطي ظلاًّ هباءْ
ونمرُّ بينَ الخمرِ والسيفِ الجليلِ..
فلا نشاءُ لقاءَنا..
حتى يشاءْ
والظلُّ مرتفعٌ،
وقافلةٌ تمزَّقُ في العراءْ
والليلُ منطفيءُ العواءْ
قالوا: " تمنّعَ وقتنا..
عقمَ النهارُ..
فلا البذورُ
ولا النذورُ
ولا الرجاءْ
تنهلُّ من جرحٍ تمزَّقَ مرّتينِ،
وغامَ ثالثةً..
فماتَ بظلّهِ الدوريُّ،
واحترقَ الهواءْ "
قالوا: " ويقتلنا الأحبَّةُ في ضفافِ خميلةٍ سكرى..
ندورُ..
ندورُ في طمي المسيلِ ويغربُ الآتي بعيداً..
كي نراهُ،
ولا نراهْ "
لكنَّ بعضاً من رؤاهْ
تنسابُ في دمنا عناقيدَ اشتعالٍ..
تستميلُ ملامحَ الآتينَ..
ترسمهمْ على الشفقِ النضيرْ
ويلّفنا تذكارهمْ فيصيبهمْ وجعُ الدماءِ،
ولا تورّقُ فكرةٌ في الطيبينِ،
ولا تزهّرُ كأسنا عنباً وشكوى..
آخرَ الوجعِ المريرْ
حتّى الحدائقُ لا تصفّقُ
والفصاحةُ لا تطيرْ
ونمرُّ في الأفقِ الرمادِ..
دقائقَ الوطنِ الأخيرْ
فنفيضُ نجوى وافتتاناً..
في ارتعاشاتِ الحريرْ..
إنّي اعوذُ برشفةٍ..
هي آخرُ الوطنِ المصفّى في فراغِ الرأسِ..
آخر ما يظللّني إذا عصفَ الدويّْ
ومتى تقدَّمَ في المشيبِ الكأسُ،
وانتبهَ الشرودُ لما لَدَيّْ
إنّي أعوذُ بهدأةٍ لا تُرتجى..
زمنَ الدموعْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
وحدي في الهشيمِ أعدُّ أشياءَ الصباحِ..
فما أرى النهرَ الولوعَ،
وليسَ للظلّ اكتمالُ أو طلوعْ
لا شيءَ يطلعُ في البياضِ لأبتديهِ،
وننتمي جهراً لوقتٍ واضحِ القسماتِ..
أوسرّاً لصمتٍ غامضٍ..
وقتَ الولوعْ
إنّي على خشبِ النزوعْ
أهوي إلى جسدٍ تفرّقَ بعضهُ ضديّنِ،
والباقي تضاءل في الضلوعْ
صبيّ المساءْ بكأسنا،
و لنبتدىء هذا الخشوعْ
يا هدأةً تنسابُ في شفقِ الخريفِ..
إذا الخريفُ يريدني حجرَ الذهولِ،
ونقطةً حيرى على ماءِ الأفولِ،
وفكرةً غرقى..
كأسئلةِ الشراب المُختصرْ
هذا دمي..
هذا اليبابُ،
وهذه أرجوحتي،
ولهاثَ أوردةِ الحجرْ
هذا مساءُ الطيّبينَ،
وشاهدٌ هذا الحصى..
هذا الخواءْ
أنَّ الشغافَ سخيّةٌ
والروحُ بالغةُ الشقاءْ
وغداً ستلتهم الحروفُ لساننا،
ويموتُ بعضُ الميتّينَ بمستهلّ دمائهمْ،
والطيبّون يهللونّ:
" متى اللقاءُ..
متى اللقاءُ...
متى اللقاءُ؟ "
حزيران 1994