الشيخ عز الدين القسَّام
ولد الشيخ عز الدين القسَّام في بلدة جبلة جنوب اللاذقية بسوريا عام 1882 في بيت متدين حيث كان والده يعمل معلمًا للقرآن الكريم في كتَّاب كان يملكه.
سافر القسَّام وهو في الرابع عشر من عمره مع أخيه فخر الدين لدراسة العلوم الشرعية في الأزهر، وعاد بعد سنوات يحمل الشهادة الأهلية، وقد تركت تلك السنوات في نفسه أثراً كبيراً حيث تأثر بكبار شيوخ الأزهر من أمثال الشيخ محمد عبده، وبالحركة الوطنية النشطة التي كانت تقاوم المحتل البريطاني والتي نشطت بمصر بعد فشل الثورة العرابية.
وعاد الشيخ القسَّام إلى جبلة عام 1903، واشتغل بتحفيظ القرآن الكريم في كتَّاب والده، وأصبح بعد ذلك إماماً لمسجد المنصوري في جبلة، وهناك ذاع صيته بخطبه المؤثرة وسمعته الحسنة.
قاد أول مظاهرة تأييداً لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكون سرية من 250 متطوعاً، وقام بحملة لجمع التبرعات، ولكن السلطات العثمانية لم تسمح له ولرفاقه بالسفر لنقل التبرعات.
باع القسَّام بيته وترك قريته الساحلية وانتقل إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919 - 1920). وقد حكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابياً.
بعد إخفاق الثورة فرَّ الشيخ القسَّام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقراً له حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسَّام بينهم يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، فكان يعطي دروساً ليلية لهم، ويكثر من زيارتهم، وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم.
والتحق بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً لها عام 1926. كان القسَّام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمال فلسطين.
تميزت دعوة القسَّام في تلك الفترة بوضوح الرؤية، حيث كان يعتبر الاحتلال البريطاني هو العدو الأول لفلسطين، ودعا في الوقت نفسه إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل يدعو الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم، وكان يردد دائماً أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين.
وكان أسلوب الثورة المسلحة أمراً غير مألوف للحركة الوطنية الفلسطينية آنذك، حيث كان نشاطها يتركز في الغالب على المظاهرات والمؤتمرات.
واستطاع تكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد، وانضم في عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميزت مجموعات القسَّام بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء، ووحدة التدريب العسكري.
ولم يكن القسَّام في عجلة من أمر إعلان الثورة، فقد كان مؤمناً بضرورة استكمال الإعداد والتهيئة، لذا فإنه رفض أن يبدأ تنظيمه في الثورة العلنية بعد حادثة البراق 1929 لاقتناعه بأن الوقت لم يحن بعد.
تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين في عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات الشيخ القسَّام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك. وكانت أول قرية ينزل بها هي كفردان، ومن هناك أرسل الدعاة إلى القرى المجاورة يشرحون للأهالي أهداف الثورة، ويطلبون منهم التطوع فيها، فاستجابت أعداد كبيرة منهم.
اكتشفت القوات البريطانية مكان اختبائه في قرية البارد في 15/11/1935، لكن الشيخ عز الدين استطاع الهرب هو و15 فرداً من أتباعه إلى قرية الشيخ زايد، ولحقت به القوات البريطانية في 19/11/1935 فطوقتهم وقطعت الاتصال بينه وبين القرى المجاورة، وطالبته بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلاً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، سقط الشيخ القسَّام وبعض رفاقه شهداء في نهايتها، وجرح وأسر الباقون.
وكان لمقتل الشيخ القسَّام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك.
وكان لاستشهاد الشيخ البطل دويٌّ هائل في فلسطين خاصة، وبلاد الشام ومصر عامة، ودُفن جثمانه الطاهر في قرية (الشيخ) قرب (حيفا) ورثاه وبكى عليه المجاهدون، والوطنيون، والشعراء، والأدباء، والسياسيون، والعلماء العاملون .
هكذا كانت حياة الشيخ القسَّام جهاداً متواصلاً في سورية وفلسطين، وبطولة نادرة، ورجولة عزّ وجود مثيلها، وكان بهذا رائد المجاهدين في بلاد الشام.
وبقي اسم القسَّام حيّاً في نفوس تلاميذه وتلاميذ تلاميذه إلى يومنا هذا ... ونحن الآن نرى ونسمع ونقرأ عن بطولات تلاميذ مدرسة القسَّام، وندعو الله لهم أن ينصرهم على الأعداء والعملاء نصراً مؤزراً، ليحرروا فلسطين المقدسة من دنس الكفرة والفجّار من اليهود والصهاينة والمتصهينين، وليس هذا على الله بعزيز.