فوزي القاوقجي
ولد فوزي القاوقجي في مدينة طرابلس (لبنان) عام 1890، وخرج منها طفلاً إلى الأستانة للدراسة، وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي تتفتح.
تخرج القاوقجي سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني، وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلماً للفروسية في الكتيبة كلها.
لما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير.
اشترك في الحرب ضد الإنجليز الذين احتلوا البصرة، وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة، وأُدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سراً.
عُين في شهر أيار عام 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بئر السبع ـ غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية، وقد أكسبته أيامه في بئر السبع خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن، ونال شهرة واسعة لجرأته وحصل على عدد من الأوسمة، وقويت صلته بالقادة الألمان وأصبح مرافقاً لهم.
آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وظل يقاتل في صفوف الأتراك، رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطهم وتيقنه من خسارتهم. ويعلل ذلك بشكه في نوايا البريطانيين والفرنسيين الذين اعتمدت عليهم الثورة العربية.
عاد القاوقجي فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس عام 1918، وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة، وقد عُين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء، فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة، فعُين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي، ولدى دخول الفرنسيين دمشق كان القاوقجي يتولى حراسة قصر الملك وقلعة دمشق.
أصبح القاوقجي أيام الانتداب الفرنسي آمراً لسرية الخيالة في حماه، ومعاوناً للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مظالمهم، وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وشجعته على التفكير بثورة مماثلة.
بدأ القاوقجي يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا، ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش، وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماه لولا قصف الطائرات، فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الفرنسيين وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط على الثوار في جنوبي سورية.
انتقل القاوقجي مع نفر من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة دمشق وجبل العرب، وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة مع سلطات واسعة، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي، لكن نقص العتاد واستشهاد الكثير من رجاله اضطراه إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب.
استدعته اللجنة الثورية إلى عمّان والقدس سنة 1927، وكلف السفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية، ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة، فلم يمكث فيها طويلاً وذهب إلى السعودية سنة 1928.
استطاع القاوقجي في السعودية بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل فيما بعد) إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة، وبعد ذلك عُين مستشاراً للأمير فيصل.
غادر القاوقجي السعودية سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929، والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن لمفاوضة الإنجليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والإعداد العسكري كما يفعل الصهاينة، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى السعودية.
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف، والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932. وعين معلماً للفروسية وأستاذاً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة نقيب.
ومع تفاقم أحداث فلسطين مع الإضراب الكبير واشتعال نار الثورة فيها، كُلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين. فبدأ الاتصال بالأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جبهة الثورة في فلسطين، وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من العراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته ووزع بوصفه القائد العام للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له (الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المحررة).
خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معارك عدة هزمت فيها الإنجليز وألحقت بهم خسائر كبيرة، وعندما أُعلنت الهدنة بين الإنجليز والفلسطينيين وفُك الاضراب بقرار سياسي من اللجنة العربية العليا بعد وساطة ملوك العرب ورؤسائهم، أوعزت القيادة السياسية للقاوقجي بسحب قواته من فلسطين، فانسحب عبر نهر الأردن إلى الأردن، وهناك سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية إلى العراق.
أقام القاوقجي في بغداد مدة، ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الإنجليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون. وهناك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولاسيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937.
أُفرج عن القازقجي بعد مقتل بكر صدقي فعاد إلى بغداد، ولما نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941، قاد القاوقجي فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الإنجليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عدداً من المعارك الناجحة، ثم أصيب بجراح خطرة حين سارع إلى صد هجوم إنجليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين، وقد أُجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت فيها 19 رصاصة وشظية من جسده وظلت رصاصة واحدة تسكن رأسه حتى أواخر حياته.
عندما دعا الألمان القاوقجي إلى العمل معهم أصر على أخذ اعتراف رسمي بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل، وشعر أنهم يحاولون استغلاله واستغلال غيره من الزعماء العرب الموجودين هناك. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به إلى ألمانيا) لأنه، أي الأب، لم يتعاون معهم.
مع تراجع ألمانيا على مختلف الجبهات، أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو، وبدخول السوفييت برلين عام 1946، اعتقل القاوقجي وزوجته ومرافقه ثم أُطلق سراحهم بعد شهر، وظل هناك تحت الرقابة ولكنه استطاع أن يصل إلى باريس عبر القطاع الفرنسي من برلين، ومن باريس طار إلى القاهرة ثم إلى مدينة طرابلس الشام وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في سنة 1947، تولى فوزي القاوقجي قيادة (جيش الإنقاذ) للدفاع عن فلسطين وذلك بتكليف من جامعة الدول العربية، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل جيش الجهاد المقدس، إلا أنه أبلى بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها ضد الإنجليز والصهاينة، وكانت معركة (المالكية) من أهم المعارك وأشهرها والتي خاضها القاوقجي مع الجيش السوري واللبناني بتاريخ 6 حزيران 1948، وانتصروا فيها، فضمن من خلالها لجبل عامل بأسره البقاء في يد العرب.
أدرك فوزي القاوقجي بعد تلكؤ المسؤولين العرب عن نصرته، وتواطؤ البعض الآخر ونقص العتاد في جيشه، وبعد إبرام الهدنة بين الدول العربية والصهاينة، أن الاستمرار بهذا العمل غير مجد، ويؤدي إلى الكارثة، فقدم استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، ثم انسحب إلى جنوب لبنان، وبعد ذلك انسحب عن مسرح الأحداث بمرارة وألم.
شعر القاوقجي بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس، فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة حتى وافاه الأجل عام 1977، وقد ترك مذكرات له بعنوان (مذكرات فوزي القاوقجي).
ولد فوزي القاوقجي في مدينة طرابلس (لبنان) عام 1890، وخرج منها طفلاً إلى الأستانة للدراسة، وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي تتفتح.
تخرج القاوقجي سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني، وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلماً للفروسية في الكتيبة كلها.
لما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير.
اشترك في الحرب ضد الإنجليز الذين احتلوا البصرة، وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة، وأُدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سراً.
عُين في شهر أيار عام 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بئر السبع ـ غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية، وقد أكسبته أيامه في بئر السبع خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن، ونال شهرة واسعة لجرأته وحصل على عدد من الأوسمة، وقويت صلته بالقادة الألمان وأصبح مرافقاً لهم.
آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وظل يقاتل في صفوف الأتراك، رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطهم وتيقنه من خسارتهم. ويعلل ذلك بشكه في نوايا البريطانيين والفرنسيين الذين اعتمدت عليهم الثورة العربية.
عاد القاوقجي فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس عام 1918، وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة، وقد عُين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء، فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة، فعُين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي، ولدى دخول الفرنسيين دمشق كان القاوقجي يتولى حراسة قصر الملك وقلعة دمشق.
أصبح القاوقجي أيام الانتداب الفرنسي آمراً لسرية الخيالة في حماه، ومعاوناً للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مظالمهم، وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وشجعته على التفكير بثورة مماثلة.
بدأ القاوقجي يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا، ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش، وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماه لولا قصف الطائرات، فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الفرنسيين وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط على الثوار في جنوبي سورية.
انتقل القاوقجي مع نفر من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة دمشق وجبل العرب، وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة مع سلطات واسعة، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي، لكن نقص العتاد واستشهاد الكثير من رجاله اضطراه إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب.
استدعته اللجنة الثورية إلى عمّان والقدس سنة 1927، وكلف السفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية، ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة، فلم يمكث فيها طويلاً وذهب إلى السعودية سنة 1928.
استطاع القاوقجي في السعودية بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل فيما بعد) إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة، وبعد ذلك عُين مستشاراً للأمير فيصل.
غادر القاوقجي السعودية سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929، والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن لمفاوضة الإنجليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والإعداد العسكري كما يفعل الصهاينة، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى السعودية.
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف، والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932. وعين معلماً للفروسية وأستاذاً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة نقيب.
ومع تفاقم أحداث فلسطين مع الإضراب الكبير واشتعال نار الثورة فيها، كُلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين. فبدأ الاتصال بالأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جبهة الثورة في فلسطين، وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من العراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته ووزع بوصفه القائد العام للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له (الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المحررة).
خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معارك عدة هزمت فيها الإنجليز وألحقت بهم خسائر كبيرة، وعندما أُعلنت الهدنة بين الإنجليز والفلسطينيين وفُك الاضراب بقرار سياسي من اللجنة العربية العليا بعد وساطة ملوك العرب ورؤسائهم، أوعزت القيادة السياسية للقاوقجي بسحب قواته من فلسطين، فانسحب عبر نهر الأردن إلى الأردن، وهناك سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية إلى العراق.
أقام القاوقجي في بغداد مدة، ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الإنجليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون. وهناك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولاسيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937.
أُفرج عن القازقجي بعد مقتل بكر صدقي فعاد إلى بغداد، ولما نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941، قاد القاوقجي فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الإنجليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عدداً من المعارك الناجحة، ثم أصيب بجراح خطرة حين سارع إلى صد هجوم إنجليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين، وقد أُجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت فيها 19 رصاصة وشظية من جسده وظلت رصاصة واحدة تسكن رأسه حتى أواخر حياته.
عندما دعا الألمان القاوقجي إلى العمل معهم أصر على أخذ اعتراف رسمي بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل، وشعر أنهم يحاولون استغلاله واستغلال غيره من الزعماء العرب الموجودين هناك. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به إلى ألمانيا) لأنه، أي الأب، لم يتعاون معهم.
مع تراجع ألمانيا على مختلف الجبهات، أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو، وبدخول السوفييت برلين عام 1946، اعتقل القاوقجي وزوجته ومرافقه ثم أُطلق سراحهم بعد شهر، وظل هناك تحت الرقابة ولكنه استطاع أن يصل إلى باريس عبر القطاع الفرنسي من برلين، ومن باريس طار إلى القاهرة ثم إلى مدينة طرابلس الشام وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في سنة 1947، تولى فوزي القاوقجي قيادة (جيش الإنقاذ) للدفاع عن فلسطين وذلك بتكليف من جامعة الدول العربية، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل جيش الجهاد المقدس، إلا أنه أبلى بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها ضد الإنجليز والصهاينة، وكانت معركة (المالكية) من أهم المعارك وأشهرها والتي خاضها القاوقجي مع الجيش السوري واللبناني بتاريخ 6 حزيران 1948، وانتصروا فيها، فضمن من خلالها لجبل عامل بأسره البقاء في يد العرب.
أدرك فوزي القاوقجي بعد تلكؤ المسؤولين العرب عن نصرته، وتواطؤ البعض الآخر ونقص العتاد في جيشه، وبعد إبرام الهدنة بين الدول العربية والصهاينة، أن الاستمرار بهذا العمل غير مجد، ويؤدي إلى الكارثة، فقدم استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، ثم انسحب إلى جنوب لبنان، وبعد ذلك انسحب عن مسرح الأحداث بمرارة وألم.
شعر القاوقجي بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس، فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة حتى وافاه الأجل عام 1977، وقد ترك مذكرات له بعنوان (مذكرات فوزي القاوقجي).