وُلد
مراد الثاني في مدينة آماسيا الأناضولية سنة 1404م، وأمُّه الأميرة أمينة
خاتون بنت أمير إمارة ذي القدرية، وبويع مراد الثاني بالسلطنة في العاصمة
العثمانية بورصة الآسيوية سنة 824 هـ/ 1421م بعد وفاة والده بواحد وأربعين
يوما، وكان في الثامنة عشرة من عمره، واستمر في الحكم حتى وفاته في الخامس
من محرم سنة 855 هـ/3 شباط/ فبراير سنة 1451م ، ولأول مرة نرى فى التاريخ الأسلامى شخصية مثل شخصية هذا السلطان فقد كان شابا فتيا يحب العبادة والأعتكاف وقد تنازل عن العرش لابنه محمد الثاني أكثر من مرة ، وآثر العبادة والاعتكاف زاهداً فى الحكم .
بداية حكمه
وكانت
أمور الحكم دائماً مليئة من المنغصات والمؤامرات الداخلية والخارجية وكان
يتغلب عليها. اهتم السلطان مراد الثاني بإصلاح شؤون السلطنة، ولذلك أبرم
صلحاً مع أمير طائفة القره مان في الأناضول، وعقد هدنة مع ملك المجر
"هنغاريا" لمدة خمس سنوات
المطالبة بعرش السلطنة
كان
الأمير مصطفى بن بايزيد أخو السلطان محمد الأول ( عم السلطان مراد الثانى )
قام يطالب بالعرش من أخيه محمد الأول وحاربه بجيش وهزم معركة أنقرة فإختفى
وفر إلى سالونيك فطالب السلطان بتسليمه فأبى الإمبراطور ووعد بإبقائه تحت
الإقامة الجبرية مادام السلطان على قيد الحياة فوافق السلطان وجعل لأخيه
راتبًا شهريًا , ولكن بعد موت السلطان أراد مصطفى عرش السلطنة .
وأراد
عمانويل قيصر القسطنطينية أن يفرض معاهدة على السلطان مراد كي لا يحاربه
مطلقاً وأن يعطيه رهينتين من إخوته، وإلا سيطلق مصطفى عمه للمطالبة بالعرش ،
فرفض السلطان، وأطلق القيصر مصطفى "دوزجة" ابن أبا يزيد عم السلطان مراد الثانى،
وعززه بقوة بحرية بيزنطية بقيادة ديمتريوس لاسكاريس، فحاصرت مدينة
غاليبولي حتى سقطت ، ولكن قلعتها لم تسقط ، فبقيت تحت الحصار، بينما توجه
مصطفى بجيشه من المسلمين إلى مدينة أدرنة ، واستولى على تخت السلطنة في
منطقة الرومللي البلقانية ، وقتل الوزير أبا يزيد باشا ، وانضم إليه
الكثيرين ، ثم توجه إلى ملاقاة السلطان مراد الثاني، ولكنه خسر المعركة ،
وارتد إلى مدينة غاليبولي ، فقبض عليه الجنود ، وسلموه إلى السلطان مراد ،
فأمر بشنقه لأنه استباح دماء العسكر والوزير، وانتهك حرمة السلطنة , فشنق
السلطــــان مراد الثانى عمــــة .
حصار القسطنطينية
حاصر
السلطان مراد الثاني القسطنطينية سنة 825هـ/ 1422م ، وأثناء الحصار أنتهز
أمراء الطوائف الأناضولية المخالفة ( الشيعية) في قسطموني وصاروخان ومنتشا
وبلاد القرمان للأستقلال ، فإضطر السلطان مراد الثانى ورفع الحصار عن
القسطنطينية، وهجم على أمراء الطوائف ، وأعاد إخضاعهم ثانية إلى السلطنة
العثمانية ، وأثناء ذلك حدث تمرد في البلقان.
وفي سنة 1425 م مات قيصر
القسطنطينية عمانويل ، وخلفه يوحنا باليولوغوس ، وإستغل السلطان مراد
الثاني ضعف القيصر الجديد فأستولى على جميع القلاع والحصون البيزنطية على
شواطئ البحر الأسود وسواحل الرومللي، ولم يبق للقيصر الجديد سوى مدينة
القسطنطينية التي قبلت بدفع الجزية للسلطان
العودة إلى الرومللي البلقانية
أمّن
السلطان مراد الثاني الجبهة الداخلية في الأناضول، ثم قام بإلزام ملك
المجر المتمرد، بتوقيع معاهدة تخطيط الحدود فأصبح نهر الطونة "الدانوب"
حداًّ فاصلاً بين السلطنة العثمانية و المجر ، وأخضع ملك الصرب جورج
برانكوفيتش للحماية العثمانية وأجبر
ملك الصرب "جورج رنكوفيتش" على دفع جزية سنوية، وأن يقدم فرقة من جنوده
لمساعدة الدولة العثمانية وقت الحرب، ويزوجه ابنته "مارا"، ويقطع علاقاته
مع ملك المجر ، كما نجح السلطان مراد الثاني في فتح مدينة سلافيك اليونانية
بعد أن حاصرها خمسة عشر يوما.،
وشيّد قلعة عثمانية في مدينة الآجه حصار (كروشيفتس) في صربيا، واستردّ مدينة سلانيك اليونانية ،
وبهذا
تمكن السلطان مراد الثاني من استرداد كل الأراضي التي كانت للعثمانيين في
عهد السلطان أبا يزيد الأول، وزاد عليها، وانتصر الأسطول العثماني على
أسطول البندقية في خليج غاليبولي نصرا مؤزرا سنة 832 هـ/ 1429 م.
تمــرد أبراهيم بك الثـــانى على السلطان مراد الثانى
أعاد
القره مانيون المبتدعون تمردهم بقيادة إبراهيم بك الثاني القره ماني الذي
اتفق سراًّ مع الملك المجري لادسلاس، فصدهم ولي العهد العثماني علاء الدين
بن مراد، وتراجعوا إلى مدينة قونية، وقاد السلطان مراد الثاني الجيش
العثماني لقمع التمرد، وأفتى إمام الشافعية في القاهرة ابن حجر العسقلاني
بوجوب قتل المتمرد إبراهيم القره ماني، ووافقه على الفتوى بذلك قاضي
الأحناف في القاهرة سعد الدين الديري جزاء تآمره على العثمانيين، وبذلك نال
العثمانيون تأييد الخلافة العباسية والمملكة المملوكية في القاهرة.
وحينذاك
تحرك الحلف الصربي المجري تضامنا مع القره مانيين، ولكن حامية الجيش
العثماني الموجودة في البلقان عبرت نهر الطونة "الدانوب" ودخلت بلاد المجر
حتى بلغت بلاد طمشوار وهرمانشتاد في ترانسلفانيا في سنة (842هـ= 1438م)، وأحدث بها خسائر فادحة، وعاد منها بسبعين ألف أسير على ما يقال.، واستولت على مدينة سمندرة عاصمة صربيا القديمة، وحاصرت مدينة بلغراد، وفرَّ أمير الصرب، ولجأ إلى ملك المجر لادسلاس.
وفي
السنة التالية خرج جورج برنكوفتش أمير الصرب على طاعة الدولة العثمانية
فخرج السلطان مراد في قواته وحاصر "بلجراد" عاصمة الصرب لمدة ستة أشهر لكنه
لم ينجح في فتحها لبسالة المدافعين أهل الصرب المسيحيين ضد الغزو العثمانى
.
هزيمة العثمانيين فى أوربا
وعندما
اتجه السلطان مراد الثانى بجيشة إلى ترانسلفانيا بالنمسا وأغار عليها
أعلن البابا أوجينيوس الرابع في سنة (843هـ = 1439م) قيام حملة ضد الدولة
العثمانية لتحرير أوربا من الحكم الإسلامى فدعا إلى تحالف كاثوليكي بين دول أوروبا المسيحية سنة 1439 م ، وسرعان ما تكون من وراء دعوة البابا حلف ولبى دعوته أمير الأردل جان هونيادي، وجمهور من الفرنسيين والجرمانيين، ولادسلاس ملك المجر وبولونيا وبوهيميا ومولدافيا "البغدان"من
المجر وبولندا والصرب، وبلاد الأفلاق وجنود البندقية، وقاد هذا الحلف
القائد المجري "يوحنا هونياد"، وكان كاثوليكيا متديناً محنكاً فى الحروب
هدفه في الحياة إخراج العثمانيين من البلقان ومن أوربا وهاجمت الحامية العثمانية فقضت عليها بجوار هرمانشتاد سنة 845هـ/ 1442 م
وقد
نجح القائد المجري "يوحنا هونياد" في إلحاق هزيمة ساحقة بالعثمانيين سنة
(846 هـ = 1442م) بعد أن قتل منهم عشرين ألفا بما فيهم قائد الجيش، وألزم
من نجا منهم بالتقهقر إلى خلف نهر الدانوب.
ولما بلغ السلطان خبر هذه الهزيمة فأرسل السلطان جيشا من ثمانين ألف جندي تحت قيادة شهاب الدين باشا " بعض المراجع ذكرت أن اسمه شاهين باشا " للأخذ بالثأر وإعادة الاعتبار للدولة العثمانية ، فإنهزمت أمام الجيوش المسيحية هو الآخر من " هونياد المجري" في معركة هائلة بالقرب من بلجراد , ووقع
شاهين باشا أسيراً، واستطاعت الجيوش الأوروبية استرداد مدينة بلغراد ونيش
الصربية، وأخضعوا مدينة فيليبة، ووصلوا إلى الشرق من صوفيا عاصمة بلغاريا
سنة 847 هـ/24/12/ 1443م، وأصبحت مدينة أدرنة مهددة.
خاف
السلطان من ضياع البلقان، فشدد هجومه على القره مانيين، وانتصر عليهم
وأخضعهم، وعاهدوه على الطاعة، وقاد الجيش وتوجه نحو البلقان،
ولكن خسارة الأعداد الهائلة من الجيش المدرب فى الحروب جعله يعقد معاهدة للصلح لمدة عشر سنوات مع المجر في (26 من ربيع الأول 848 هـ= 13 من يوليو 1444م) وأسفرت المفاوضات عن توقيع معاهدة سِغدِين "segedin" بمقتضاها تنازل السلطان عن الصرب ، واعترف بجورج برانكوفتش أميرا عليها ، وتنازل عن الأفلاق (رومانيا) للمجر., وتبادل إخلاء سبيل الأسرى من الجانبين، وتقرر أن تكون الهدنة لمدة عشر سنوات.
إعتزال السلطان الهزيمة وفقدان الأبن
وبعد عودة السلطان إلى بلاده بعد هزيمة مرة بعدما وقَّع السلطان مراد الثاني الهدنة مع التحالف الأوروبي فجع بموت ولي عهده الأمير علاء الدين في مدينة آماسيا الأناضولية في شهر ذي القعدة سنة 846 هـ/ آذار سنة 1443م، فدفن في بورصة ، فحزن عليه وسئم الحياة فتنازل عن الحكم لابنه محمد الذي عرف فيما بعد بـمحمد الفاتح وكان عمره إحدى عشرة سنة ، وتوجه مراد الثاني إلى "مغنيسيا" في آسيا الصغرى ليقضي بقية حياته في عزلة وطمأنينة ويتفرغ للعبادة والتأمل.
لم
يكن مثل السلطان الصغير محمد الثاني أهلا لأن يتحمل أعباء مواجهة الحروب
التى خاضها والدة وظن أنه بمجرد أن يتنازل لولده عن الحكم ويوقع معاهدة أن
المر قد أستتب وهو محتل لأراض وأملاك الملوك الأوربيين
علم الكردينال "cesarini" سيزاريني "جساريني" والبابا يوجين الرابع أن السلطان مراد قد اعتكف، وتنازل عن الحكم لولده، نقض
ملك المجر المعاهدة بتحريض من مندوب البابا، الذي أقنعه بأنه في حل من
القسم الذي تعهد به، وكان ملك المجر قد أقسم بالإنجيل وأقسم مراد الثاني
بالقرآن على عدم مخالفتهما شروط معاهدة الصلح ما داما على قيد الحياة فظنّا أن الجو قد خلا لهما، فأمرا بنقض الهدنة، وقاد خامس حملات جيوش التحالف الأوروبية ملك المجر لادسلاس، تحركت
هذه الحشود الضخمة نحو الدولة العثمانية، ونزلت إلى ساحل البحر الأسود
واقتربت من "فادنا" البلغارية الواقعة على ساحل البحر، وفي الوقت الذي كان
تجري فيه هذه التحركات كان القلق والفزع يسيطر على كبار القادة في "أدرنة"
عاصمة الدولة العثمانية، وهاجمت الجيوش الأوربية حدود
السلطنة العثمانية فى محاولة لتحرير الأراضى المحتلة من قبضة الأستعمار
العثمانى , ، وسيطرت البحرية الأوروبية على مضيق الدردنيل "غاليبولي".
ولم
يكن السلطان الصغير قادرا على تبديد هذه المخاوف والسيطرة على الموقف
وانتزاع النصر من أعداء الدولة؛ من أجل ذلك اجتمع مجلس شورى السلطنة في
"أدرنة"، واتخذ قرارا أبلغه إلى السلطان محمد الثاني، نصه: "لا يمكننا
مقاومة العدو، إلا إذا اعتلى والدك السلطان مكانك.. أرسلوا إلى والدكم
ليجابه العدو وتمتعوا براحتكم، تعود السلطنة إليكم بعد إتمام هذه المهنة"
وعلى الفور أرسل محمد الثاني في دعوة أبيه مراد الثاني الموجود في مغنيسيا،
غير أن السلطان مراد أراد أن يبعث الثقة في نفس ولده، فبعث إليه قائلا: إن
الدفاع عن دولته من واجبات السلطان.. فرد عليه ابنه بالعبارات التالية:
"إن كنا نحن السلطان فإننا نأمرك: تعالوا على رأس جيشكم، وإن كنتم أنتم
السلطان فتعالوا ودافعوا عن دولتكم"..
واعتلى
السلطان مراد الثانى العرش ثانية في كانون الثاني سنة 1445م، وبعد أحد عشر
شهرا قرر الاعتكاف ثانية في 12/ 12/ 1445م، وأعاد العرش إلى السلطان محمد
الثاني، وعاد إلى مسجده في مغنيسيا، ولكن أهل الحل والعقد أجمعوا على ضرورة
عودته إلى العرش خشية التحالفات المضمرة بين أمراء الطوائف في الأناضول مع
التيموريين في آسيا والبابوية ودول البلقان، ولذلك عاد السلطان من اعتكافه
وجلس على عرش السلطنة ثالث مرة في 5/ 5/ 1446م، وبدأ إخضاع الإمارات
البلقانية المتمردة في المورة، وبلاد الأرناؤوط ولا سيما بعدما ارتدوا عن
الإسلامى .
وكان
اسكندر بك اعتنق الكاثوليكية وساندته بابا روما والأوربيون، فزحف عليه
السلطان مراد ومعه ولي العهد محمد الفاتح في ربيع سنة 1447م، وحينذاك مات
ملك التتار شاه رخ بن تيمور لنك في 12/ 3/ 1447م، وتقاسم الوارثون سلطته ،
فأصبحت السلطنة العثمانية أقوى دول العالم.
وزحفت
جيوش التحالف الأوروبي المكونة من ثمانين ألف مقاتل من بولونيا وألمانيا
وفرنسا والبندقية وبيزنطة والبابوية وبروغنديا والمجر بقيادة الملك لادسلاس
وجان هونيادي، ونهبت الجيوش الكاثوليكية ممتلكات الأرثوكس وكنائسهم في
طريقها، وعقدت العزم على احتلال القسطنطينية بعد النصر على العثمانيين،
وتوجهت نحو مدينة وارنة "فارنا" على ساحل البحر الأسود في شرقي بلغاريا.
فقاد
السلطان مراد الجيوش الآسيوية، وعبر مضيق البوسفور "بوغاز القسطنطينية"
وكان بصحبته الصدر الأعظم خليل باشا الجاندرلي المخزومي، والقائد شهاب
الدين باشا، ووصل أدرنة خلال يومين من المسير السريع، فاختار من الجيش
أربعين ألفاً، وقصد قوات التحالف الكاثوليكي ، أسرع
السلطان مراد الثاني في السير إلى "فارنا" في اليوم الذي وصل فيه الجيش
الصليبي، وفي اليوم التالي نشبت معركة هائلة، وقد وضع السلطان مراد
المعاهدة التي نقضها أعداؤه على رأس رمح ليشهدهم على نقض المعاهدة ، وفي
الوقت نفسه يزيد من حماس جنده.
وحصلت
المعركة التصادمية أمام مدينة وارنة "فارنا" على سواحل البحر الأسود في 28
رجب سنة 848 هـ/ 10/ 11/ 1444م، وتبارز الملك الكاثوليكي لادسلاس،
والسلطان مراد الثاني، وأسفرت المبارزة عن مصرع الملك لادسلاس، ومصرع
الكردينال سيزاريني "جساريني" وكيل البابا يوجين الرابع وبدأت
المعركة بهجوم من "هونياد" قائد الجيش الصليبي على ميمنة الجيش العثماني
وجناحه الأيسر، وترك السلطان مراد العدو يتوغل إلى عمق صفوف جيشه، ثم أعطى
أمره بالهجوم الكاسح، فنجحت قواته في تطويق العدو، واستطاعت قتل ملك المجر
"لاديسلاس" ورفعت رأسه على رمح وكان لهذا أثر مفزع في نفوس العدو حين رأوا
رأس ملكهم مرفوعة على أحد الرماح، فاضطربت صفوفهم وتهاوت قواهم وخارت
عزائمهم، ولم يلبث أن هرب القائد المجري "هونياد" تاركا جنوده تقع في
الأسر، وقد بلغ عددهم ما بين ثمانين إلى تسعين ألف جندي، وتم هذا النصر في
(28 من رجب 848هـ= 10 من نوفمبر 1444م)، .ولما قُتِلا
ولّت الجيوش الأوروبية الأدبار، وقاد فلولهم الهاربة جان هونيادي، وأسرت
القوات العثمانية أكثر من خمسين ألف أوروبي، وغنمت غنائم كثيرة، وعادت إلى
أدرنة غانمة ظافرة ، وهكذا كان انتصار السلطان مراد الثاني في فارنة شبيه
بانتصار جده يلدريم أبا يزيد الأول في معركة نيغوبولي قبل ذلك بمدة ثمان
وأربعين سنة، وجاءت التهاني من الأقطار الإسلامية ، وأمر سلطان المماليك
جقمق بتلاوة اسم السلطان مراد الثاني بعد اسم الخليفة العباسي، والدعاء
بالرحمة للشهداء في جوامع ومساجد القاهرة وتوابعها المملوكية.
معركة كوسوفا قوصوة الثانية..
بعد
مضى أربع سنوات على انتصار العثمانيين في "فارنا" قام"هونياد" بتجهيز
الحملة الصليبية السادسة ضد العثمانيين، اشترك فيها مائة ألف جندي من المجر
وألمانيا وبولونيا وصقلية، ونابولي، وتألف الجيش من 38 كتيبة، معظمها لا
تعرف لغة الأخرى.
تقدم هذا الجيش حتى سهل قوْصَوة "كوسوفو" والتقى
بالجيش العثماني الذي كان يقوده مراد الثاني، واستمر اللقاء ثلاثة أيام،
بدءا من (18 من شعبان 852 هـ = 17 من أكتوبر 1448م)، وقيل ( واستمرت المعركة ثلاثة أيام في شوال سنة 852 هـ/ 17 و18 و19 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1448م ) وفي اليوم الثالث نجح السلطان مراد في محاصرة العدو الذي أنهكه التعب وضربات القوات العثمانية المتتالية، وأغلق أمامه طريق العودة.
عجز
"هونياد" عن المقاومة، حتى إذا حل الظلام تمكن من الهرب، تاركا خلفه 17
ألف قتيل وعشرات الآلاف من الأسرى، وأعاد هذا النصر ذكرى انتصار السلطان
مراد الأول على "لازار" ملك الصرب في هذا المكان سنة (791 هـ = 1389م) أي
قبل 59 عاما من النصر الثاني، كما قضى على آمال الأوربيين في إخراج
العثمانيين من بلاد البلقان لعصور طويلة.ثم عاد السلطان إلى أدرنة، وبنى فيها جامع المرادية، واهتم بالعمران والعبادات.
حرب الأرناؤوط
وبعد
ذلك توجه السلطان مراد وولده محمد الفاتح إلى حرب الأرناؤوط في صيف سنة
1449م، ولكنهم لم يعثروا على المرتد إسكندر بك حيث اختفى عن الأنظار، فعاد
السلطان إلى أدرنة، وتزوّج محمد الثاني البالغ سنّ السابعة عشرة من الأميرة
مكرمة خاتون بنت أمير بلاد ذي القدرية، وأقيمت الأفراح في أدرنة في ذي
القعدة سنة 853 هـ/ الموافق لـ 15/ 12/ 1449م، ثم تولى محمد الثاني إمارة
صاروخان، وأقام في مدينة مغنيسيا في الأناضول، وتوفي الخليفة العباسي
المستكفي بالله في القاهرة سنة 854 هـ/ 1450م، وبويع أخوه القائم بأمر الله
، فأرسل إليهم السلطان مراد معزيا بالخليفة الراحل، ومهنئا بالخليفة
الجديد.
وفاة السلطان مراد الثاني
توفيت
السلطانة هِمَّة خاتون والدة السلطان محمد الثاني "الفاتح" سنة في أيلول/
سبتمبر سنة 1449م، ودفنت في مدينة بورصة، ثم مرض السلطان مراد الثاني مدة
قصيرة في مدينة أدرنة، فأوصى أن يدفن في قبر عادي مكشوف دون قبة يدل على
تواضعه وتقواه، وأوصى أن يُخصَّص مكان لتلاوة القرآن بجانب قبره، ثم توفى
في الخامس من محرّم سنة 855 هـ/ 3 شباط/ فبراير سنة 1451م، وقد بلغ سنّ
التاسعة والأربعين إلا أربعة أشهر بعدما تسلطن مدة 29 سنة وعشرة أشهر و26
يوماً، ونقلت جنازته إلى مثواه الأخير في مدينة بورصة، ودفن حسب وصيته في
يوم الجمعة، وتمت البيعة لولده محمد الثاني الفاتح.
وقد خصص السلطان
مراد الثانى مبلغ 3500 دينار، وقد اهتم بالعمران فشيد المساجد والجوامع
والمدارس والتكايا والزوايا ودور الضيافة والخانات والجسور، وتمهيد
الطرقات، ومن أشهر شيوخه ابن عرب شاه (1389 ـ 1450) م.
قال المؤرخ
الألماني فون هامر "Van Hammer" : "حكم السلطان مراد الثاني في سلطنته
بعدالة وشرف مدة ثلاثين سنة، وكان عادلا سليم النية مع رعيته دون تفريق بين
الأديان، وكان وفياً بوعده في الحرب، وعهده في السلم، وكان يفضل الصلح،
ولكنه لايتردد في الحرب إذا دعت الضرورة لذلك، وكان انتقامه شديداً من
الذين يخونون عهودهم، ولم يفقد دهاءه حتى نهاية أيام حُكمه" وقال المؤرخ
الفرنسي غرينارد "Grenard" : "إن كان مراد الأول معمار السلطنة العثمانية
الأول، فإن مراد الثاني هو بانيها الثاني".
*************************************************
=======================
مراد الثاني في مدينة آماسيا الأناضولية سنة 1404م، وأمُّه الأميرة أمينة
خاتون بنت أمير إمارة ذي القدرية، وبويع مراد الثاني بالسلطنة في العاصمة
العثمانية بورصة الآسيوية سنة 824 هـ/ 1421م بعد وفاة والده بواحد وأربعين
يوما، وكان في الثامنة عشرة من عمره، واستمر في الحكم حتى وفاته في الخامس
من محرم سنة 855 هـ/3 شباط/ فبراير سنة 1451م ، ولأول مرة نرى فى التاريخ الأسلامى شخصية مثل شخصية هذا السلطان فقد كان شابا فتيا يحب العبادة والأعتكاف وقد تنازل عن العرش لابنه محمد الثاني أكثر من مرة ، وآثر العبادة والاعتكاف زاهداً فى الحكم .
بداية حكمه
وكانت
أمور الحكم دائماً مليئة من المنغصات والمؤامرات الداخلية والخارجية وكان
يتغلب عليها. اهتم السلطان مراد الثاني بإصلاح شؤون السلطنة، ولذلك أبرم
صلحاً مع أمير طائفة القره مان في الأناضول، وعقد هدنة مع ملك المجر
"هنغاريا" لمدة خمس سنوات
المطالبة بعرش السلطنة
كان
الأمير مصطفى بن بايزيد أخو السلطان محمد الأول ( عم السلطان مراد الثانى )
قام يطالب بالعرش من أخيه محمد الأول وحاربه بجيش وهزم معركة أنقرة فإختفى
وفر إلى سالونيك فطالب السلطان بتسليمه فأبى الإمبراطور ووعد بإبقائه تحت
الإقامة الجبرية مادام السلطان على قيد الحياة فوافق السلطان وجعل لأخيه
راتبًا شهريًا , ولكن بعد موت السلطان أراد مصطفى عرش السلطنة .
وأراد
عمانويل قيصر القسطنطينية أن يفرض معاهدة على السلطان مراد كي لا يحاربه
مطلقاً وأن يعطيه رهينتين من إخوته، وإلا سيطلق مصطفى عمه للمطالبة بالعرش ،
فرفض السلطان، وأطلق القيصر مصطفى "دوزجة" ابن أبا يزيد عم السلطان مراد الثانى،
وعززه بقوة بحرية بيزنطية بقيادة ديمتريوس لاسكاريس، فحاصرت مدينة
غاليبولي حتى سقطت ، ولكن قلعتها لم تسقط ، فبقيت تحت الحصار، بينما توجه
مصطفى بجيشه من المسلمين إلى مدينة أدرنة ، واستولى على تخت السلطنة في
منطقة الرومللي البلقانية ، وقتل الوزير أبا يزيد باشا ، وانضم إليه
الكثيرين ، ثم توجه إلى ملاقاة السلطان مراد الثاني، ولكنه خسر المعركة ،
وارتد إلى مدينة غاليبولي ، فقبض عليه الجنود ، وسلموه إلى السلطان مراد ،
فأمر بشنقه لأنه استباح دماء العسكر والوزير، وانتهك حرمة السلطنة , فشنق
السلطــــان مراد الثانى عمــــة .
حصار القسطنطينية
حاصر
السلطان مراد الثاني القسطنطينية سنة 825هـ/ 1422م ، وأثناء الحصار أنتهز
أمراء الطوائف الأناضولية المخالفة ( الشيعية) في قسطموني وصاروخان ومنتشا
وبلاد القرمان للأستقلال ، فإضطر السلطان مراد الثانى ورفع الحصار عن
القسطنطينية، وهجم على أمراء الطوائف ، وأعاد إخضاعهم ثانية إلى السلطنة
العثمانية ، وأثناء ذلك حدث تمرد في البلقان.
وفي سنة 1425 م مات قيصر
القسطنطينية عمانويل ، وخلفه يوحنا باليولوغوس ، وإستغل السلطان مراد
الثاني ضعف القيصر الجديد فأستولى على جميع القلاع والحصون البيزنطية على
شواطئ البحر الأسود وسواحل الرومللي، ولم يبق للقيصر الجديد سوى مدينة
القسطنطينية التي قبلت بدفع الجزية للسلطان
العودة إلى الرومللي البلقانية
أمّن
السلطان مراد الثاني الجبهة الداخلية في الأناضول، ثم قام بإلزام ملك
المجر المتمرد، بتوقيع معاهدة تخطيط الحدود فأصبح نهر الطونة "الدانوب"
حداًّ فاصلاً بين السلطنة العثمانية و المجر ، وأخضع ملك الصرب جورج
برانكوفيتش للحماية العثمانية وأجبر
ملك الصرب "جورج رنكوفيتش" على دفع جزية سنوية، وأن يقدم فرقة من جنوده
لمساعدة الدولة العثمانية وقت الحرب، ويزوجه ابنته "مارا"، ويقطع علاقاته
مع ملك المجر ، كما نجح السلطان مراد الثاني في فتح مدينة سلافيك اليونانية
بعد أن حاصرها خمسة عشر يوما.،
وشيّد قلعة عثمانية في مدينة الآجه حصار (كروشيفتس) في صربيا، واستردّ مدينة سلانيك اليونانية ،
وبهذا
تمكن السلطان مراد الثاني من استرداد كل الأراضي التي كانت للعثمانيين في
عهد السلطان أبا يزيد الأول، وزاد عليها، وانتصر الأسطول العثماني على
أسطول البندقية في خليج غاليبولي نصرا مؤزرا سنة 832 هـ/ 1429 م.
تمــرد أبراهيم بك الثـــانى على السلطان مراد الثانى
أعاد
القره مانيون المبتدعون تمردهم بقيادة إبراهيم بك الثاني القره ماني الذي
اتفق سراًّ مع الملك المجري لادسلاس، فصدهم ولي العهد العثماني علاء الدين
بن مراد، وتراجعوا إلى مدينة قونية، وقاد السلطان مراد الثاني الجيش
العثماني لقمع التمرد، وأفتى إمام الشافعية في القاهرة ابن حجر العسقلاني
بوجوب قتل المتمرد إبراهيم القره ماني، ووافقه على الفتوى بذلك قاضي
الأحناف في القاهرة سعد الدين الديري جزاء تآمره على العثمانيين، وبذلك نال
العثمانيون تأييد الخلافة العباسية والمملكة المملوكية في القاهرة.
وحينذاك
تحرك الحلف الصربي المجري تضامنا مع القره مانيين، ولكن حامية الجيش
العثماني الموجودة في البلقان عبرت نهر الطونة "الدانوب" ودخلت بلاد المجر
حتى بلغت بلاد طمشوار وهرمانشتاد في ترانسلفانيا في سنة (842هـ= 1438م)، وأحدث بها خسائر فادحة، وعاد منها بسبعين ألف أسير على ما يقال.، واستولت على مدينة سمندرة عاصمة صربيا القديمة، وحاصرت مدينة بلغراد، وفرَّ أمير الصرب، ولجأ إلى ملك المجر لادسلاس.
وفي
السنة التالية خرج جورج برنكوفتش أمير الصرب على طاعة الدولة العثمانية
فخرج السلطان مراد في قواته وحاصر "بلجراد" عاصمة الصرب لمدة ستة أشهر لكنه
لم ينجح في فتحها لبسالة المدافعين أهل الصرب المسيحيين ضد الغزو العثمانى
.
هزيمة العثمانيين فى أوربا
وعندما
اتجه السلطان مراد الثانى بجيشة إلى ترانسلفانيا بالنمسا وأغار عليها
أعلن البابا أوجينيوس الرابع في سنة (843هـ = 1439م) قيام حملة ضد الدولة
العثمانية لتحرير أوربا من الحكم الإسلامى فدعا إلى تحالف كاثوليكي بين دول أوروبا المسيحية سنة 1439 م ، وسرعان ما تكون من وراء دعوة البابا حلف ولبى دعوته أمير الأردل جان هونيادي، وجمهور من الفرنسيين والجرمانيين، ولادسلاس ملك المجر وبولونيا وبوهيميا ومولدافيا "البغدان"من
المجر وبولندا والصرب، وبلاد الأفلاق وجنود البندقية، وقاد هذا الحلف
القائد المجري "يوحنا هونياد"، وكان كاثوليكيا متديناً محنكاً فى الحروب
هدفه في الحياة إخراج العثمانيين من البلقان ومن أوربا وهاجمت الحامية العثمانية فقضت عليها بجوار هرمانشتاد سنة 845هـ/ 1442 م
وقد
نجح القائد المجري "يوحنا هونياد" في إلحاق هزيمة ساحقة بالعثمانيين سنة
(846 هـ = 1442م) بعد أن قتل منهم عشرين ألفا بما فيهم قائد الجيش، وألزم
من نجا منهم بالتقهقر إلى خلف نهر الدانوب.
ولما بلغ السلطان خبر هذه الهزيمة فأرسل السلطان جيشا من ثمانين ألف جندي تحت قيادة شهاب الدين باشا " بعض المراجع ذكرت أن اسمه شاهين باشا " للأخذ بالثأر وإعادة الاعتبار للدولة العثمانية ، فإنهزمت أمام الجيوش المسيحية هو الآخر من " هونياد المجري" في معركة هائلة بالقرب من بلجراد , ووقع
شاهين باشا أسيراً، واستطاعت الجيوش الأوروبية استرداد مدينة بلغراد ونيش
الصربية، وأخضعوا مدينة فيليبة، ووصلوا إلى الشرق من صوفيا عاصمة بلغاريا
سنة 847 هـ/24/12/ 1443م، وأصبحت مدينة أدرنة مهددة.
خاف
السلطان من ضياع البلقان، فشدد هجومه على القره مانيين، وانتصر عليهم
وأخضعهم، وعاهدوه على الطاعة، وقاد الجيش وتوجه نحو البلقان،
ولكن خسارة الأعداد الهائلة من الجيش المدرب فى الحروب جعله يعقد معاهدة للصلح لمدة عشر سنوات مع المجر في (26 من ربيع الأول 848 هـ= 13 من يوليو 1444م) وأسفرت المفاوضات عن توقيع معاهدة سِغدِين "segedin" بمقتضاها تنازل السلطان عن الصرب ، واعترف بجورج برانكوفتش أميرا عليها ، وتنازل عن الأفلاق (رومانيا) للمجر., وتبادل إخلاء سبيل الأسرى من الجانبين، وتقرر أن تكون الهدنة لمدة عشر سنوات.
إعتزال السلطان الهزيمة وفقدان الأبن
وبعد عودة السلطان إلى بلاده بعد هزيمة مرة بعدما وقَّع السلطان مراد الثاني الهدنة مع التحالف الأوروبي فجع بموت ولي عهده الأمير علاء الدين في مدينة آماسيا الأناضولية في شهر ذي القعدة سنة 846 هـ/ آذار سنة 1443م، فدفن في بورصة ، فحزن عليه وسئم الحياة فتنازل عن الحكم لابنه محمد الذي عرف فيما بعد بـمحمد الفاتح وكان عمره إحدى عشرة سنة ، وتوجه مراد الثاني إلى "مغنيسيا" في آسيا الصغرى ليقضي بقية حياته في عزلة وطمأنينة ويتفرغ للعبادة والتأمل.
لم
يكن مثل السلطان الصغير محمد الثاني أهلا لأن يتحمل أعباء مواجهة الحروب
التى خاضها والدة وظن أنه بمجرد أن يتنازل لولده عن الحكم ويوقع معاهدة أن
المر قد أستتب وهو محتل لأراض وأملاك الملوك الأوربيين
علم الكردينال "cesarini" سيزاريني "جساريني" والبابا يوجين الرابع أن السلطان مراد قد اعتكف، وتنازل عن الحكم لولده، نقض
ملك المجر المعاهدة بتحريض من مندوب البابا، الذي أقنعه بأنه في حل من
القسم الذي تعهد به، وكان ملك المجر قد أقسم بالإنجيل وأقسم مراد الثاني
بالقرآن على عدم مخالفتهما شروط معاهدة الصلح ما داما على قيد الحياة فظنّا أن الجو قد خلا لهما، فأمرا بنقض الهدنة، وقاد خامس حملات جيوش التحالف الأوروبية ملك المجر لادسلاس، تحركت
هذه الحشود الضخمة نحو الدولة العثمانية، ونزلت إلى ساحل البحر الأسود
واقتربت من "فادنا" البلغارية الواقعة على ساحل البحر، وفي الوقت الذي كان
تجري فيه هذه التحركات كان القلق والفزع يسيطر على كبار القادة في "أدرنة"
عاصمة الدولة العثمانية، وهاجمت الجيوش الأوربية حدود
السلطنة العثمانية فى محاولة لتحرير الأراضى المحتلة من قبضة الأستعمار
العثمانى , ، وسيطرت البحرية الأوروبية على مضيق الدردنيل "غاليبولي".
ولم
يكن السلطان الصغير قادرا على تبديد هذه المخاوف والسيطرة على الموقف
وانتزاع النصر من أعداء الدولة؛ من أجل ذلك اجتمع مجلس شورى السلطنة في
"أدرنة"، واتخذ قرارا أبلغه إلى السلطان محمد الثاني، نصه: "لا يمكننا
مقاومة العدو، إلا إذا اعتلى والدك السلطان مكانك.. أرسلوا إلى والدكم
ليجابه العدو وتمتعوا براحتكم، تعود السلطنة إليكم بعد إتمام هذه المهنة"
وعلى الفور أرسل محمد الثاني في دعوة أبيه مراد الثاني الموجود في مغنيسيا،
غير أن السلطان مراد أراد أن يبعث الثقة في نفس ولده، فبعث إليه قائلا: إن
الدفاع عن دولته من واجبات السلطان.. فرد عليه ابنه بالعبارات التالية:
"إن كنا نحن السلطان فإننا نأمرك: تعالوا على رأس جيشكم، وإن كنتم أنتم
السلطان فتعالوا ودافعوا عن دولتكم"..
واعتلى
السلطان مراد الثانى العرش ثانية في كانون الثاني سنة 1445م، وبعد أحد عشر
شهرا قرر الاعتكاف ثانية في 12/ 12/ 1445م، وأعاد العرش إلى السلطان محمد
الثاني، وعاد إلى مسجده في مغنيسيا، ولكن أهل الحل والعقد أجمعوا على ضرورة
عودته إلى العرش خشية التحالفات المضمرة بين أمراء الطوائف في الأناضول مع
التيموريين في آسيا والبابوية ودول البلقان، ولذلك عاد السلطان من اعتكافه
وجلس على عرش السلطنة ثالث مرة في 5/ 5/ 1446م، وبدأ إخضاع الإمارات
البلقانية المتمردة في المورة، وبلاد الأرناؤوط ولا سيما بعدما ارتدوا عن
الإسلامى .
وكان
اسكندر بك اعتنق الكاثوليكية وساندته بابا روما والأوربيون، فزحف عليه
السلطان مراد ومعه ولي العهد محمد الفاتح في ربيع سنة 1447م، وحينذاك مات
ملك التتار شاه رخ بن تيمور لنك في 12/ 3/ 1447م، وتقاسم الوارثون سلطته ،
فأصبحت السلطنة العثمانية أقوى دول العالم.
وزحفت
جيوش التحالف الأوروبي المكونة من ثمانين ألف مقاتل من بولونيا وألمانيا
وفرنسا والبندقية وبيزنطة والبابوية وبروغنديا والمجر بقيادة الملك لادسلاس
وجان هونيادي، ونهبت الجيوش الكاثوليكية ممتلكات الأرثوكس وكنائسهم في
طريقها، وعقدت العزم على احتلال القسطنطينية بعد النصر على العثمانيين،
وتوجهت نحو مدينة وارنة "فارنا" على ساحل البحر الأسود في شرقي بلغاريا.
فقاد
السلطان مراد الجيوش الآسيوية، وعبر مضيق البوسفور "بوغاز القسطنطينية"
وكان بصحبته الصدر الأعظم خليل باشا الجاندرلي المخزومي، والقائد شهاب
الدين باشا، ووصل أدرنة خلال يومين من المسير السريع، فاختار من الجيش
أربعين ألفاً، وقصد قوات التحالف الكاثوليكي ، أسرع
السلطان مراد الثاني في السير إلى "فارنا" في اليوم الذي وصل فيه الجيش
الصليبي، وفي اليوم التالي نشبت معركة هائلة، وقد وضع السلطان مراد
المعاهدة التي نقضها أعداؤه على رأس رمح ليشهدهم على نقض المعاهدة ، وفي
الوقت نفسه يزيد من حماس جنده.
وحصلت
المعركة التصادمية أمام مدينة وارنة "فارنا" على سواحل البحر الأسود في 28
رجب سنة 848 هـ/ 10/ 11/ 1444م، وتبارز الملك الكاثوليكي لادسلاس،
والسلطان مراد الثاني، وأسفرت المبارزة عن مصرع الملك لادسلاس، ومصرع
الكردينال سيزاريني "جساريني" وكيل البابا يوجين الرابع وبدأت
المعركة بهجوم من "هونياد" قائد الجيش الصليبي على ميمنة الجيش العثماني
وجناحه الأيسر، وترك السلطان مراد العدو يتوغل إلى عمق صفوف جيشه، ثم أعطى
أمره بالهجوم الكاسح، فنجحت قواته في تطويق العدو، واستطاعت قتل ملك المجر
"لاديسلاس" ورفعت رأسه على رمح وكان لهذا أثر مفزع في نفوس العدو حين رأوا
رأس ملكهم مرفوعة على أحد الرماح، فاضطربت صفوفهم وتهاوت قواهم وخارت
عزائمهم، ولم يلبث أن هرب القائد المجري "هونياد" تاركا جنوده تقع في
الأسر، وقد بلغ عددهم ما بين ثمانين إلى تسعين ألف جندي، وتم هذا النصر في
(28 من رجب 848هـ= 10 من نوفمبر 1444م)، .ولما قُتِلا
ولّت الجيوش الأوروبية الأدبار، وقاد فلولهم الهاربة جان هونيادي، وأسرت
القوات العثمانية أكثر من خمسين ألف أوروبي، وغنمت غنائم كثيرة، وعادت إلى
أدرنة غانمة ظافرة ، وهكذا كان انتصار السلطان مراد الثاني في فارنة شبيه
بانتصار جده يلدريم أبا يزيد الأول في معركة نيغوبولي قبل ذلك بمدة ثمان
وأربعين سنة، وجاءت التهاني من الأقطار الإسلامية ، وأمر سلطان المماليك
جقمق بتلاوة اسم السلطان مراد الثاني بعد اسم الخليفة العباسي، والدعاء
بالرحمة للشهداء في جوامع ومساجد القاهرة وتوابعها المملوكية.
معركة كوسوفا قوصوة الثانية..
بعد
مضى أربع سنوات على انتصار العثمانيين في "فارنا" قام"هونياد" بتجهيز
الحملة الصليبية السادسة ضد العثمانيين، اشترك فيها مائة ألف جندي من المجر
وألمانيا وبولونيا وصقلية، ونابولي، وتألف الجيش من 38 كتيبة، معظمها لا
تعرف لغة الأخرى.
تقدم هذا الجيش حتى سهل قوْصَوة "كوسوفو" والتقى
بالجيش العثماني الذي كان يقوده مراد الثاني، واستمر اللقاء ثلاثة أيام،
بدءا من (18 من شعبان 852 هـ = 17 من أكتوبر 1448م)، وقيل ( واستمرت المعركة ثلاثة أيام في شوال سنة 852 هـ/ 17 و18 و19 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1448م ) وفي اليوم الثالث نجح السلطان مراد في محاصرة العدو الذي أنهكه التعب وضربات القوات العثمانية المتتالية، وأغلق أمامه طريق العودة.
عجز
"هونياد" عن المقاومة، حتى إذا حل الظلام تمكن من الهرب، تاركا خلفه 17
ألف قتيل وعشرات الآلاف من الأسرى، وأعاد هذا النصر ذكرى انتصار السلطان
مراد الأول على "لازار" ملك الصرب في هذا المكان سنة (791 هـ = 1389م) أي
قبل 59 عاما من النصر الثاني، كما قضى على آمال الأوربيين في إخراج
العثمانيين من بلاد البلقان لعصور طويلة.ثم عاد السلطان إلى أدرنة، وبنى فيها جامع المرادية، واهتم بالعمران والعبادات.
حرب الأرناؤوط
وبعد
ذلك توجه السلطان مراد وولده محمد الفاتح إلى حرب الأرناؤوط في صيف سنة
1449م، ولكنهم لم يعثروا على المرتد إسكندر بك حيث اختفى عن الأنظار، فعاد
السلطان إلى أدرنة، وتزوّج محمد الثاني البالغ سنّ السابعة عشرة من الأميرة
مكرمة خاتون بنت أمير بلاد ذي القدرية، وأقيمت الأفراح في أدرنة في ذي
القعدة سنة 853 هـ/ الموافق لـ 15/ 12/ 1449م، ثم تولى محمد الثاني إمارة
صاروخان، وأقام في مدينة مغنيسيا في الأناضول، وتوفي الخليفة العباسي
المستكفي بالله في القاهرة سنة 854 هـ/ 1450م، وبويع أخوه القائم بأمر الله
، فأرسل إليهم السلطان مراد معزيا بالخليفة الراحل، ومهنئا بالخليفة
الجديد.
وفاة السلطان مراد الثاني
توفيت
السلطانة هِمَّة خاتون والدة السلطان محمد الثاني "الفاتح" سنة في أيلول/
سبتمبر سنة 1449م، ودفنت في مدينة بورصة، ثم مرض السلطان مراد الثاني مدة
قصيرة في مدينة أدرنة، فأوصى أن يدفن في قبر عادي مكشوف دون قبة يدل على
تواضعه وتقواه، وأوصى أن يُخصَّص مكان لتلاوة القرآن بجانب قبره، ثم توفى
في الخامس من محرّم سنة 855 هـ/ 3 شباط/ فبراير سنة 1451م، وقد بلغ سنّ
التاسعة والأربعين إلا أربعة أشهر بعدما تسلطن مدة 29 سنة وعشرة أشهر و26
يوماً، ونقلت جنازته إلى مثواه الأخير في مدينة بورصة، ودفن حسب وصيته في
يوم الجمعة، وتمت البيعة لولده محمد الثاني الفاتح.
وقد خصص السلطان
مراد الثانى مبلغ 3500 دينار، وقد اهتم بالعمران فشيد المساجد والجوامع
والمدارس والتكايا والزوايا ودور الضيافة والخانات والجسور، وتمهيد
الطرقات، ومن أشهر شيوخه ابن عرب شاه (1389 ـ 1450) م.
قال المؤرخ
الألماني فون هامر "Van Hammer" : "حكم السلطان مراد الثاني في سلطنته
بعدالة وشرف مدة ثلاثين سنة، وكان عادلا سليم النية مع رعيته دون تفريق بين
الأديان، وكان وفياً بوعده في الحرب، وعهده في السلم، وكان يفضل الصلح،
ولكنه لايتردد في الحرب إذا دعت الضرورة لذلك، وكان انتقامه شديداً من
الذين يخونون عهودهم، ولم يفقد دهاءه حتى نهاية أيام حُكمه" وقال المؤرخ
الفرنسي غرينارد "Grenard" : "إن كان مراد الأول معمار السلطنة العثمانية
الأول، فإن مراد الثاني هو بانيها الثاني".
*************************************************
=======================