- الشاعر والقرية -
(الشاعر يسكن في مدينة طرطوس، وعندما أحيل إلى التقاعد ذهب إلى قريته وأطال المكوث فيها، فأرسل له صديقه الشاعر أحمد حرفوش، من طرطوس قصيدة، يعاتبه فيها، ويمازحه طالباً منه أن يعلق على أشجاره القليلة في القرية حجاباً ليقيها من أعين الحساد فكانت هذه القصيدة هي الجواب).
أخي، أبا وائلٍ، جاءت رسالتكم
شعراً، فزغرد في قيثارتي الوتر
قرأتها رافعاً صوتي على مهلٍ
ليرشف السكر منها السمع والبصر
علقتها مؤمناً في عنق مزرعتي
لكي يجود على أغصانها الثمر
فأنت من معشر طابت منابتهم
تخضر ناصية الأيام لو ذكروا
***
يا صاحبي إنني في قريتي ملك
حتى الصخور اغتنت بالحب والشجر
وأينما سرت ينداح الصبا غرداً
وقد اضاءت على أهدابه الذكر
في قريتي، يرتدي عمري فتوّته
ولا يكدّر نعمى عيشه قتر
أحببتها ليس لي من أرض تربتها
حتى المكان به أُطوى وأنقبر
فكيف والآن لي فيها على كبر
حقل بزقزقة العصفور يأتزرُ
حقل وإن صَغُرت أبعاد ساحته
ففي معانيه حب الأرض يختصر
حقل تسامى على أقرانه نسباً
وراح في صدقه يزهو ويزدهر
على فراش الهوى كانت ولادته
ما شاب نطفته زيف ولا كدر
النور يشرق من أنفاس تربته
والخير تحرسه الآيات والسور
***
لقد لبست هدوء الريف، نعمته
والريف نعمى لمن عانوا ومن صبروا
لقد أعيدت لأيامي طفولتها
يا للبراءة في الوجدان تنهمر
حقي، وقد جاوز الستين درب غدي
مع الزمان، وقلبي، يانع، نضر
بأن أفكك عن ظهري حقائبه
ليستريح على أقداميَ السفر
وظائفي ومهماتي طواعية
أعلى مكانتها الإجهاد والسهر
أشعلت صدق أحاسيسي بمقلتها
فشعشع الضوء في العينين، والشرر
عصرت زهر شبابي في حدائقها
فراح يسقي الشذا في زهرها مطر
عملت: ما شاب جهدي في المدى عوجٌ
أعطيت: ما عاب ما أعطيته ضرر
وعدت والحب في قلبي وفي كبدي
ورأسماليَ: ذكر، طيب، عطر
***
ها عدت للريف، أستجلي مفاتنه
يشدني الغاب والينبوع والنَّهَر
وقريتي سرق الفردوس بهجته
من حسنها ومضى يزهو ويفتخر
وجانحاي بها: فكرٌ سما، وعلا
ومعصمٌ؛ كل قيد فيه ينكسر
للمعول الصلد في كفّيَّ مأثرةٌ
وفيهما من سنا؛ أسنانه أثر
ولليراع لعاب لا شبيه له
من شهقة الفجر قبل الصبح يعتصر
يراعتي، معولي، إلفان، ما افترقا
نصيحة عنهما، تنساب، تنتشر
من لا يمدّ يداً في دفع مظلمة
يعلو كعفطة سيلٍ ثم يندثر
ومن يعش عزة الإنسان، معركةً
يخلدْ، وفي ساحة التاريخ ينتصر
***
شعري وتعبق في الجنات خمرته
فسدرة المنتهى، ينتابها خدر
من كأس عنقوده، ألحان سكرتنا
وفي حميّاه، سر الفن، ينحصر
يدمي على مقلة الحساد حصرمه
ولا يبقّي لهم ريشاً، ولا يذر
يمشي الزمان على أنوار طلعته
وحكمة الدهر في رؤياه تختمر
أطلقته بلبلاً من عش قريتنا
لتستفيق على أنغامه العصر
***
(الشاعر يسكن في مدينة طرطوس، وعندما أحيل إلى التقاعد ذهب إلى قريته وأطال المكوث فيها، فأرسل له صديقه الشاعر أحمد حرفوش، من طرطوس قصيدة، يعاتبه فيها، ويمازحه طالباً منه أن يعلق على أشجاره القليلة في القرية حجاباً ليقيها من أعين الحساد فكانت هذه القصيدة هي الجواب).
أخي، أبا وائلٍ، جاءت رسالتكم
شعراً، فزغرد في قيثارتي الوتر
قرأتها رافعاً صوتي على مهلٍ
ليرشف السكر منها السمع والبصر
علقتها مؤمناً في عنق مزرعتي
لكي يجود على أغصانها الثمر
فأنت من معشر طابت منابتهم
تخضر ناصية الأيام لو ذكروا
***
يا صاحبي إنني في قريتي ملك
حتى الصخور اغتنت بالحب والشجر
وأينما سرت ينداح الصبا غرداً
وقد اضاءت على أهدابه الذكر
في قريتي، يرتدي عمري فتوّته
ولا يكدّر نعمى عيشه قتر
أحببتها ليس لي من أرض تربتها
حتى المكان به أُطوى وأنقبر
فكيف والآن لي فيها على كبر
حقل بزقزقة العصفور يأتزرُ
حقل وإن صَغُرت أبعاد ساحته
ففي معانيه حب الأرض يختصر
حقل تسامى على أقرانه نسباً
وراح في صدقه يزهو ويزدهر
على فراش الهوى كانت ولادته
ما شاب نطفته زيف ولا كدر
النور يشرق من أنفاس تربته
والخير تحرسه الآيات والسور
***
لقد لبست هدوء الريف، نعمته
والريف نعمى لمن عانوا ومن صبروا
لقد أعيدت لأيامي طفولتها
يا للبراءة في الوجدان تنهمر
حقي، وقد جاوز الستين درب غدي
مع الزمان، وقلبي، يانع، نضر
بأن أفكك عن ظهري حقائبه
ليستريح على أقداميَ السفر
وظائفي ومهماتي طواعية
أعلى مكانتها الإجهاد والسهر
أشعلت صدق أحاسيسي بمقلتها
فشعشع الضوء في العينين، والشرر
عصرت زهر شبابي في حدائقها
فراح يسقي الشذا في زهرها مطر
عملت: ما شاب جهدي في المدى عوجٌ
أعطيت: ما عاب ما أعطيته ضرر
وعدت والحب في قلبي وفي كبدي
ورأسماليَ: ذكر، طيب، عطر
***
ها عدت للريف، أستجلي مفاتنه
يشدني الغاب والينبوع والنَّهَر
وقريتي سرق الفردوس بهجته
من حسنها ومضى يزهو ويفتخر
وجانحاي بها: فكرٌ سما، وعلا
ومعصمٌ؛ كل قيد فيه ينكسر
للمعول الصلد في كفّيَّ مأثرةٌ
وفيهما من سنا؛ أسنانه أثر
ولليراع لعاب لا شبيه له
من شهقة الفجر قبل الصبح يعتصر
يراعتي، معولي، إلفان، ما افترقا
نصيحة عنهما، تنساب، تنتشر
من لا يمدّ يداً في دفع مظلمة
يعلو كعفطة سيلٍ ثم يندثر
ومن يعش عزة الإنسان، معركةً
يخلدْ، وفي ساحة التاريخ ينتصر
***
شعري وتعبق في الجنات خمرته
فسدرة المنتهى، ينتابها خدر
من كأس عنقوده، ألحان سكرتنا
وفي حميّاه، سر الفن، ينحصر
يدمي على مقلة الحساد حصرمه
ولا يبقّي لهم ريشاً، ولا يذر
يمشي الزمان على أنوار طلعته
وحكمة الدهر في رؤياه تختمر
أطلقته بلبلاً من عش قريتنا
لتستفيق على أنغامه العصر
***