-الآخر...
مَنْ تراني..
مَنْ تُراهْ؟
ذلك الوجهُ الذي عادَ منَ القيظِ وحيداً..
مثل عنقودٍ تدلَى آخر الصيفٍ،
وغامتْ ضّفتاه
عندما ضاقَ المدى في آخرِ النهرِ،
وسبّحتُ الإلهْ
وقتها..
لم ينطقِ الحزنُ دمائي
والمساءُ البكرُ لم ينطقْ بعشقٍ
حين أرخى الليلُ فوضاهُ على طولِ مداهْ
فتلفّتُ يميناً،
ويقيناً..
كي أُلاقيه..
ولكن ليس يبقى الدفقُ في مجرى دمائي..
وقت تفترُّ المياهْ
إنّهُ ظلّي..
ولكنْ لا أراهْ
***
إنّه جذوةُ حزنٍ
ونثاراتُ انينْ
ولظى شوقٍ تعرّى في لهاث الياسمينْ
وأنا بعضُ ثناياهُ
وذكراهُ
وبعضُ الدفءِ من تلكَ السنينْ
وكلانا وجهةٌ لا يصل الوقتُ إليها
جزرٌ غارتْ بعيداً في اليقينْ
زفرة من حالك الصيفِ
ونبعٌ جفَّ فيه اللون حزناً..
منذ حينْ
***
وحده يجمعُ انقاضَ صباحٍ كان مذبوحاً
على سقفِ السكون المرتخي..
عندَ السواقي الغارباتْ
وحدَهُ في ليلة السبتِ يصلّي بين أوثانٍ حفاةْ
لإلهٍ من خرابٍ،
وسماءٍ من شتاتْ
***
كيف أبكي..
وأنا بَعْدُ أداري فكرةَ الدمع،
واستدني قوايا؟
ويطيرُ الناسُ من أشلاء أحزاني..
ولا يأتي سوايا..
***
يدخلُ الليلُ اخيراً في تكايا الوهمِ
يمضي ليلهُ عندَ حوانيتِ الحكايا
يطلبُ الماءَ،
وأقداحَ نبيذٍ..
عتّقتهُ الريحُ منذ الألفِ قبل الصمتِ..
في بئرِ دمايا
بين فرعينِ من الحزنِ
وقوسينِ مرايا
***
يسألُ الليلُ عن الأصحابِ،
والخمر،
وشطآنِ الهروب
يطلب الليلة ماءً وطيوبْ
ويغني في مداه الأعزل الصداح ساعاتٍ
ويستدني الغروبْ
في نهار يابسِ الطلعةِ..
غاضتْ مقلتاهْ
عند نهرٍ مستعاد من سنيّ القحطِ..
مكسور الشفاه
إنه يسبحُ ضدّي،
والنهاياتُ مداهْ
***
ذلك المملوءُ حباً وجراحاً،
وغمامات خريفٍ،
ومدى
يقطُرُ الآن حنيناً،
وسؤلاً،
وردى
***
وحدهُ يسرقُ في الليل من الخمر الصدى
عندَ نهرٍ جمع الورد إلى الوردِ..
بياضاً،
وشمالاً،
وسدى
العشق
أشتاقُ مساءً من زغبٍ
يتأرجحُ بينَ العين وبينِ الظلّ،
ويفتحُ نافذتي نحو المطلقِ..
يأتي طيرٌ من ملكوتِ خريفٍ منكسرٍ،
من خاتمةِ الوقت المحفورِ على ظلّ الأشياءْ
أشتاقُ،
وتنداح امرأةٌ من اقصى المطلق..
ذاتَ مساءْ
تأتي من وجع الأطيافِ،
وبوْحِ الماءْ
وتبللُ وقتي من جَدْب الأيامِ..
فأمشي نحو النهرِ
وأغسل روحي من طمي المجرى،
وسكونِ الياءْ
ويطلُّ شتاءْ
***
أشتاقُ ضفافاً حائرةً..
تتأرجح عند اللون المخمور
وعند الظلِّ المحترقِ الأضواءْ
وخريفاً،
وامرأةً يتوالى فيها الوقت سريعاً..
حتّى ينتصف الآتي،
ويدورُ وراءْ
وأراني نصفَ قتيلٍ..
أدخلُ صومعتي..
وأصلّي دون فضاءْ
كي ينتصفَ الماضي المخذولُ
وآخر ساعاتِ الخوفِ المتواصلِ
في الأرجاءْ
وبريقَ الصمتِ على جهةٍ تزدانُ..
بآلافِ الأضواءْ
أشتاقُ إلى بعض القطراتِ،
وركنٍ منعتقٍ في آخر ظلّ منحطمٍ،
وبكاءْ
***
الديكِ مساءٌ مشتعلٌ..
في أقصى الوقتِ المكسورْ؟
يا زنبقتي،
ولهاث ضلوعي..
حين يعومُ النورْ
فوق الأشياءِ الباردة الخلجاتِ..
فتومصُ فيها بضعُ زهورْ
وتحيلك لوناً ماسيَّ القسماتِ،
وورديّ الضحكاتِ
فأبعثُ ذاتَ نشورْ؟
أو أعشقُ في سرّي امرأة من طيب الصيف،
وفوْحِ النرجس والمنثورْ
ويجيءُ إليها الطلُّ صباحَ مساء،
والزفراتُ دهورْ
في جوْفِ اللحظاتِ تلمُّ اللونَ،
وتطلعُ أجنحةً،
وتدورْ
في هذا الركن المحترق الأطرافِ
وهذا الظلّ المسحورِ..
المسحورْ
ألديكِ الساعة مفترقٌ..
بين الغيمات يمورْ؟
وأحبكِ..
حتى يذبلَ وجه العالم في كفّي..
أو تسقط كلُّ جهات الحزن،
وبضعُ سطورْ
من دفترهِ المسعورْ
3 \ 1994