-آمنت بالشعر-
(مهداة إلى روح الشاعر عبد الجبار الرحبي وقد ألقيت في حفل تأبينه في دير الزور. وقدمت لها بالكلمة النثرية التالية: قيل لي، أنت مدعو للمشاركة في حفل تأبين الشاعر عبد الجبار الرحبي، وهو عم لصديقك الشاعر، عبد المنعم الرحبي (رحمه الله)، وكان لابد من القبول، فهذا أبسط ما يمكن أن يقدمه شاعر لشاعر.
ولذا عدت إلى الدمعة التي ذرفتها على الصديق عبد المنعم، ونفخت فيها من روحي فولدت هذه القصيدة على نفس الوزن والقافية. فإلى روح الشاعرين الرحبيين، عبد المنعم وعبد الجبار هذه الأبيات:
أشعلت جرحي بليل الهم والتعب
وجئت أبحث عند الدير عن شهبي
قد غاب نجم، ونجم عن مدى بصري
فأجهش الجمر في قلبي وفي عصبي
نجمان قد عتقا شمساً بجفنهما
رمزان لله في النعماء والغضب
للخالق، المنعم، الجبار سيرهما
وعرف طيبهما من دوحة الرحبي
تألقا في ميادين العلا صعداً
حتى رأيتهما في مقلة السحب
ورف شعريَ في واحات غيثهما
وشعشعت خمرة الإلهام في عنبي
فماء بحري -بلا ملح- فراتهما
وطيب ذكرهما العنوان في كتبي
أنخت عندهما أوجاع قافيتي
ورحت أقرأ في عينيهما نسبي
هذا شقيقي ومن أطياب صحبته
كحلت صادقة الأحلام في هدبي
وذا وإن كنت لم أنعم برؤيته
أراه في صدق إحساسي أخاً لأبي
***
وليس كالشعر من قربى ومن نسب
وليس كالشعر من حسنى ومن حسب
ينظف الروح من زيف يخالطها
ويبعد الصدق فيها عن دم كذب
ويسكب الغيمة الخضراء في فمها
لتحضن الغيب معراجاً بلا رهب
لتستريح بروض الله ناضرة
كالجار بالجنْب لا كالجار بالجُنب
لكي تعانق سر الله خاشعة
كما الصلاة تعالت من شفاه نبي
***
أحس بالشعر أن الله ملء دمي
وأنه بعميق الوحي يهتف بي
لكي أذوب بحقل الناس أغنية
صلاة فجر، رحيب، عاطر، خصب
خميرة، تنضج التاريخ، تبدعه
رغيف عز لمن يشكو من السغب
ونسمة تنعش الأرواح ماسحة
ما يعتلي جبهة الإنسان من تعب
آمنت بالشعر يندى في مجامرنا
يولّد العزم في الرايات والقضب
ويوقظ الجمرة العذراء في دمنا
معجونة الروح في قدسية اللهب
آمنت بالشعر وحيالا انطفاء له
لو شاب رأس الليالي السود لم يشب
***
إيهٍ أبا الفضل كاد الشعر يبعدني
عن الحديث إلى ما فيك من أدب
عن رحلة الحرف يسري في الدجى قمراً
دأب الأهلة حسباناً لمحتسب
قطرت عمرك، نسغ الحلم، صبح منىً
وقلت للشمس في عليائها اقتربي
عصرتها في قناديل الدجى ألقاً
لمدلج تاه في الظلماء مغترب
ورحت تستنفر الأجيال أشرعة
في لج بحر عصي الموج مصطخب
أطلقت عقلك في مسرى بصائرهم
يجلو لهم عظة التاريخ والحقب
زرعت قلبك نبضاً في ضمائرهم
بذور مستقبل بالحب معتصب
هززت نخل سماء في القلوب رؤى
فأثمرت شجرات القلب بالرطب
***
ملأت مكتبة الأيام جائعة
من ثروة الروح لا من ثروة الذهب
سموت عن زهوة الدنيا وفتنتها
وجزت دائرة الألقاب والرتب
وفزت، من يتجه لله مجتهداً
يفز، ولو جارت الأيام بالطلب
***
جاش الفرات يساقينا فنسكره
من عزة الفتح يوم السبق والغلب
كم ضاحكت صبوات الشمس موجته
وراح يشمخ في عُجْب وفي عَجَب
غداة، أمتنا، والسيف في يدها
تسعى، تجدد، وجه العالم الخرب
سيف العقيدة والإيمان يعصمه
يهتز للحق، لا للسطو والسلب
أضاء فارتعش التاريخ مبتهجاً
وسار يرفل في أثوابه القشب
والآن غصت أمانينا بدمعتها
وقاد وقع خطانا زخرف اللعب
سيف العروبة مرهون لقاتلها
وقدس أقداسنا ساح لمغتصب
صار الفرات هزيل الجسم من أسف
وظل مأساتنا في وجهه الشحب
***
إيه أبا الفضل كاد النهر يبعدني
عن ارتعاش رقيق اللحن في القصب
عن بوح شعرك أنغاماً معتقة
للجد، للزهد، لا للهو والطرب
أتاك ديوان شعري مركبا قلقاً
وبحر شعرك موج غير مضطرب
طافت ببحرك أشعاري معانقة
(مرافيء النور في أمواجه الحدب)
تصطاد در البيان الحر تاركة
لمن تقاعس عنه فورة الحبب
***
أبا رشيد، أبا فضل، حضوركما
بين الأنام -برغم الموت- لم يغب
ستبقيان ضياء في ضمائرنا
يهدي لدربٍ، أباة، سادة، نجب
فاستمطرا فوقنا غيث الجنان مدىً
وأرسلا نحونا بعضاً من السحب
لعل أمتنا، تسعى مجددة
ما كان من عزة في وجهها الترب
لعلَّ ارحامنا تخضر منجبة
ما كان من نخوة الأجداد في العرب
***
(مهداة إلى روح الشاعر عبد الجبار الرحبي وقد ألقيت في حفل تأبينه في دير الزور. وقدمت لها بالكلمة النثرية التالية: قيل لي، أنت مدعو للمشاركة في حفل تأبين الشاعر عبد الجبار الرحبي، وهو عم لصديقك الشاعر، عبد المنعم الرحبي (رحمه الله)، وكان لابد من القبول، فهذا أبسط ما يمكن أن يقدمه شاعر لشاعر.
ولذا عدت إلى الدمعة التي ذرفتها على الصديق عبد المنعم، ونفخت فيها من روحي فولدت هذه القصيدة على نفس الوزن والقافية. فإلى روح الشاعرين الرحبيين، عبد المنعم وعبد الجبار هذه الأبيات:
أشعلت جرحي بليل الهم والتعب
وجئت أبحث عند الدير عن شهبي
قد غاب نجم، ونجم عن مدى بصري
فأجهش الجمر في قلبي وفي عصبي
نجمان قد عتقا شمساً بجفنهما
رمزان لله في النعماء والغضب
للخالق، المنعم، الجبار سيرهما
وعرف طيبهما من دوحة الرحبي
تألقا في ميادين العلا صعداً
حتى رأيتهما في مقلة السحب
ورف شعريَ في واحات غيثهما
وشعشعت خمرة الإلهام في عنبي
فماء بحري -بلا ملح- فراتهما
وطيب ذكرهما العنوان في كتبي
أنخت عندهما أوجاع قافيتي
ورحت أقرأ في عينيهما نسبي
هذا شقيقي ومن أطياب صحبته
كحلت صادقة الأحلام في هدبي
وذا وإن كنت لم أنعم برؤيته
أراه في صدق إحساسي أخاً لأبي
***
وليس كالشعر من قربى ومن نسب
وليس كالشعر من حسنى ومن حسب
ينظف الروح من زيف يخالطها
ويبعد الصدق فيها عن دم كذب
ويسكب الغيمة الخضراء في فمها
لتحضن الغيب معراجاً بلا رهب
لتستريح بروض الله ناضرة
كالجار بالجنْب لا كالجار بالجُنب
لكي تعانق سر الله خاشعة
كما الصلاة تعالت من شفاه نبي
***
أحس بالشعر أن الله ملء دمي
وأنه بعميق الوحي يهتف بي
لكي أذوب بحقل الناس أغنية
صلاة فجر، رحيب، عاطر، خصب
خميرة، تنضج التاريخ، تبدعه
رغيف عز لمن يشكو من السغب
ونسمة تنعش الأرواح ماسحة
ما يعتلي جبهة الإنسان من تعب
آمنت بالشعر يندى في مجامرنا
يولّد العزم في الرايات والقضب
ويوقظ الجمرة العذراء في دمنا
معجونة الروح في قدسية اللهب
آمنت بالشعر وحيالا انطفاء له
لو شاب رأس الليالي السود لم يشب
***
إيهٍ أبا الفضل كاد الشعر يبعدني
عن الحديث إلى ما فيك من أدب
عن رحلة الحرف يسري في الدجى قمراً
دأب الأهلة حسباناً لمحتسب
قطرت عمرك، نسغ الحلم، صبح منىً
وقلت للشمس في عليائها اقتربي
عصرتها في قناديل الدجى ألقاً
لمدلج تاه في الظلماء مغترب
ورحت تستنفر الأجيال أشرعة
في لج بحر عصي الموج مصطخب
أطلقت عقلك في مسرى بصائرهم
يجلو لهم عظة التاريخ والحقب
زرعت قلبك نبضاً في ضمائرهم
بذور مستقبل بالحب معتصب
هززت نخل سماء في القلوب رؤى
فأثمرت شجرات القلب بالرطب
***
ملأت مكتبة الأيام جائعة
من ثروة الروح لا من ثروة الذهب
سموت عن زهوة الدنيا وفتنتها
وجزت دائرة الألقاب والرتب
وفزت، من يتجه لله مجتهداً
يفز، ولو جارت الأيام بالطلب
***
جاش الفرات يساقينا فنسكره
من عزة الفتح يوم السبق والغلب
كم ضاحكت صبوات الشمس موجته
وراح يشمخ في عُجْب وفي عَجَب
غداة، أمتنا، والسيف في يدها
تسعى، تجدد، وجه العالم الخرب
سيف العقيدة والإيمان يعصمه
يهتز للحق، لا للسطو والسلب
أضاء فارتعش التاريخ مبتهجاً
وسار يرفل في أثوابه القشب
والآن غصت أمانينا بدمعتها
وقاد وقع خطانا زخرف اللعب
سيف العروبة مرهون لقاتلها
وقدس أقداسنا ساح لمغتصب
صار الفرات هزيل الجسم من أسف
وظل مأساتنا في وجهه الشحب
***
إيه أبا الفضل كاد النهر يبعدني
عن ارتعاش رقيق اللحن في القصب
عن بوح شعرك أنغاماً معتقة
للجد، للزهد، لا للهو والطرب
أتاك ديوان شعري مركبا قلقاً
وبحر شعرك موج غير مضطرب
طافت ببحرك أشعاري معانقة
(مرافيء النور في أمواجه الحدب)
تصطاد در البيان الحر تاركة
لمن تقاعس عنه فورة الحبب
***
أبا رشيد، أبا فضل، حضوركما
بين الأنام -برغم الموت- لم يغب
ستبقيان ضياء في ضمائرنا
يهدي لدربٍ، أباة، سادة، نجب
فاستمطرا فوقنا غيث الجنان مدىً
وأرسلا نحونا بعضاً من السحب
لعل أمتنا، تسعى مجددة
ما كان من عزة في وجهها الترب
لعلَّ ارحامنا تخضر منجبة
ما كان من نخوة الأجداد في العرب
***